Quantcast
Channel: Arabi - The Huffington Post
Viewing all 23357 articles
Browse latest View live

مساعدتهم جريمة.. فرنسا تلاحق مواطنيها الذين يعاونون المهاجرين.. وهكذا ستعاقبهم

$
0
0
تواصل السلطات الفرنسية في إقليم "ألب ماريتيم" جنوب البلاد، مقاضاتها لمواطنيها ممن يقدّمون المساعدة للمهاجرين غير الشرعيين، وتيسير سبل عبور هؤلاء للحدود الفرنسية-الإيطالية.

وأول من أمس (الأربعاء) 4 يناير/كانون الثاني 2017، مثُل مزارع فرنسي، يدعى سيدريك هارو ويقيم في قرية "بريل سير رويا" الجبلية شمال شرقي مدينة "نيس" على الحدود الإيطالية، بتهمة "تيسير دخول وتنقّل وإقامة غير شرعية" لمهاجرين.

وبحكم وجود "بريل سير رويا" على بُعد كيلومترات فقط من مدينة "فانتيمل" الإيطالية، تحوّلت القرية الفرنسية إلى ما يشبه الممر الآمن للمهاجرين غير الشرعيين العابرين للحدود سيراً على الأقدام.

وطالب المدّعي جان ميشيل براتر، خلال المحاكمة، بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ بحق هارو، إضافة إلى فرض قيود تقضي باستخدام رخصة قيادة لأغراض مهنية فحسب، ومصادرة سيارته.

وخلال الجلسة، قال هيرو مبرّراً ما قام به لقضاة محكمة نيس والمدّعي براتر: "فعلت ذلك؛ لأن هناك أشخاصاً يواجهون مشاكل، وهناك أشخاصاً قضوا على الطريق السريعة، وعائلات تعاني؛ ولأن هناك دولة وضعت حدوداً ولا تتعامل مع عواقب ذلك".

أما المدعي، فندّد من جهته باستخدام الجلسة "منتدى سياسياً".

وفي تصريح له بنهاية الجلسة لإذاعة "فرانس أنفو"، قال هيرو: "لا أريد أن أجد نفسي مضطراً إلى أن أشرح لأطفالي بأني لم أفعل شيئاً".

وتابع: "الناس يسألونني لماذا أساعد هؤلاء الأشخاص على مغادرة "ألب ماريتيم"؟ أنا أفعل ذلك؛ فقط لأنهم في خطر هنا، ولأن حقوقهم لم تُحترم".

ويواجه هيرو اتهاماً بإيواء نحو 50 مهاجراً من إريتريا في مركز مهجور كان يستخدمه المكتب الوطني للسكك الحديدية في "سانت دالماس دي تنده" بإقليم "الألب ماريتيم".

كما مثُل هيرو، في أغسطس/آب الماضي، أمام المحكمة بتهمة نقله 8 مهاجرين إريتريين، على متن سيارته من إيطاليا نحو فرنسا، قبل أن يفرج عنه بعدما تأكد القاضي أنه تصرف بدوافع "إنسانية" ولم يحصل على أموال مقابل خدماته.

وقدّر المدعي أن المزارع لم يتصرّف من باب الإيثار، قائلاً: "أتساءل: كيف يمكن اعتبار نقل أشخاص من إيطاليا إنقاذاً لهم؟!".

وأضاف أنه "ليس من مشمولات العدالة، أن تقرر تغيير القانون، ولا إعطاء درس في الدبلوماسية لهذا البلد أو ذاك".

ويواجه هيرو -في حال إدانته- حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات نافذة وغرامة مالية قد تصل إلى 30 ألف يورو.

وتأتي محاكمة هيرو على خلفية التنديد العام بما قام به من قِبل عدد من السياسيين بالمنطقة، بينهم إيريك سيوتي، رئيس المجلس المحلي للـ"ألب ماريتيم"، وهو أيضاً نائب الأمين العام لحزب "الجمهوريين" (يمين).

وتساءل سيوتي تعقيباً على انتخاب هيرو "رجل العام" في المنطقة من قِبل قرّاء صحيفة نيس ماتان: "من يمكنه الجزم بأنه لا يوجد من بين المئات من المهاجرين ممن يتبجّح السيد هيرو بأنه عبر بهم الحدود، إرهابي مستقبلي؟".

من جهتها، أطلقت المنظمة الإنسانية الفرنسية "رويا للمواطنة"، وهي المنظمة التي ينشط فيها المزارع هيرو، عريضة بعنوان "التضامن ليس جريمة.. التضامن ليس عملاً غير قانوني"، استنكرت فيها "كيف يُعاقب شخص قدّم المساعدة لآخرين في خطر، مع أن كل ما يفعله -تماماً كآخرين- هو طرْح نفسه بديلاً عن الدولة الفرنسية؟!".

وأضافت أن "فرنسا بلد حقوق الإنسان، والمصنفة خامس قوة عالمية، والتي ترفض تقديم المساعدة للاجئين في المنطقة الحدودية، تضع نفسها تبعاً لذلك، خارج نطاق القانون الدولي".

وتأتي محاكمة هيرو، التي من المنتظر أن يصدر الحكم فيها 10 فبراير/شباط المقبل، قبل يومين من حكم القضاء الفرنسي في قضية مماثلة يواجه فيها أستاذ باحث بجامعة "نيس صوفيا أنتيبوليس"، يدعى بيير آلان مانوني، تهمة مساعدة 3 مهاجرات من إريتريا.

وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت الشرطة الفرنسية مانوني وبرفقته 3 فتيات من إريتريا، كان في طريقه لإيصالهن إلى محطة القطار المتجه نحو مرسيليا.

"كنّ خائفات"، يقول مانوني في مقال له نشره موقع ميديابارت الفرنسي، "وكنّ يرجفن من البرد ومتعَبات، ويضعن ضمادات على أيديهن وأرجلهن؛ بل إن إحداهن كانت تئنّ مشيرةً بحركات تدل على الألم، فيما عجزت الثانية عن حمْل حقيبتها اليدوية؛ بسبب ألم في يدها".

وفي ديسمبر/كانون أول 2015، أدينت أستاذة فرنسية محاضرة متقاعدة، تدعى كلير مارسول، من قِبل محكمة "غراس" بالـ"آلب ماريتيم"، بدفع غرامة مالية قدرها ألف و500 يورو؛ لمساعدتها مهاجرين إريتريين على التنقل من نيس إلى أنتيب.

في بلد العميان..

$
0
0
العيون ليست سوى عدسات، أما العقل فهو الذي يرى!
واحدة من أشهر الروايات، رواية عبقرية وملهمة، ما أن تقرأها حتى تشعر أنها تلامس شيئاً ما بداخلك، ذلك أن الصراع الذي عاشه بطل القصة "نيونز" بين أن يظل محتفظاً ببصره أو أن يقبل التخلي عنه مقابل أن يعتبره المجتمع مواطناً كاملاً ليستطيع أن يتزوج من حبيبته (مدينا ساروته)، ما من أحد يقرأ هذه القصة حتى يجد شيئاً ما في حياته تشابه مع حالة الصراع تلك، حالة الصراع بين ما هو متعارف عليه وبين ما هو بداخلك.. "أرض العميان" رواية الكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز، رواية رائعة تفوق الوصف يمكن إسقاطها على الوضع السياسي والاجتماعي الذي نعيشه اليوم، عندما ينهار الحق أمام الباطل؛ لأن الحق حين لا يجد من ينصره يستسلم للباطل، الرواية لا تتحدث عن العمى الذي يصيب العيون، وإنما عن ذاك الذي يصيب النفوس والعقول، إنها تتحدث عن "الجهل" والفقر الفكري، وعن سهولة انتشارهما عندما يجدان الخصوبة في الأرض والمناخ الملائم، فالجهل هو الذي يحول الناس إلى مخلوقات حانقة مذعورة عاجزة.

إن من يعيش في عالمنا اليوم عليه أن يضع على عينيه عصابة سوداء، وأن يلغي عقله ويقتل ضميره، فكل شيء في هذا العالم يصيب بالجنون، فلا حياة لمبصر وصاحب ضمير، العمى وموت الضمير أصبحا شرطاً للحياة على هذا الكوكب.

تحكي الرواية عن مهاجرين هربوا من طغيان الإسبان، ثم حدثت انهيارات صخرية عزلتهم عن العالم في وادٍ غامض مجهول، وانتشر بينهم نوع من أمراض العيون أصابهم بالعمى، وظلوا يتوارثون هذا العمى حتى 15 جيلاً، حتى نسوا نعمة البصر، وعضو العينين، ولكنهم استطاعوا تكييف أوضاعهم والتأقلم مع حقيقة عدم وجود البصر بالبصيرة وبالسمع وباللمس والإحساس، ونسوا أن هناك ما يسمى بنعمة البصر، وبالعضو الذي يسمى العينين.

ويظهر هنا بطل القصة نيونز، وهو مغامر شاب يهوى تسلق الجبال، تلقي به المقادير في بلادهم، ويلاحظ أن المساكن ألوانها فاقعة غير متناسقة وبلا نوافذ، ثم يدرك أنه في بلد العميان، ويتذكر مقولة "الأعور يصبح ملكاً في بلد العميان"، فيظن أن بإمكانه أن يجد مكاناً له هنا؛ لأنه الوحيد المبصر بينهم، حاول إقناعهم بأنهم عميان، وبأن هناك نعمة تسمى البصر يفتقدونها، لكنهم لم يصدقوه واعتبروه مجنوناً، حاول الفرار ولم يستطِع، واضطر للعودة إليهم بعد تعب وجوع؛ ليقر بخطئه ويضع نفسه تحت تصرفهم.

كانوا طيبي القلب معه فتقبلوا وجوده بينهم، ويصادف المغامر فتاة من العميان كانوا يعتبرونها قبيحة؛ لأن وجهها مدبب ولها أهداب طويلة، مما يخالف فكرتهم عن الجمال، بينما هو لأنه مبصر استطاع أن يعرف أنها أجمل فتيات المدينة، أحبها وتقدم لخطبتها، فاحتار أبوها، كيف يرضى بهذا المجذوب الذي هبط عليهم من غير موعد؟! هل يقبل به أم يرفضه ويتركها بلا زواج؟!

طلب مشورة حكيم القرية، فكان رد الحكيم بعد فحص الشاب بأن سبب جنونه هو عضوين مزعجين في وجهه أعلى أنفه "يقصد العينين"، وأنه يجب استئصالهما ليكون طبيعياً مثل سكان القرية، لكنه يرفض، ويصف لحبيبته المتع والجمال اللذين يراهما بعينيه، ولكنها تلمس يده برقة، وتقول إنها تحب خياله (!!)، ولكن يجب أن يضحي إذا كان يحبها، يقبل الفتى الخضوع لعملية استئصال عينيه.. هكذا صار العمى شرطاً حتى يرتقي ويقبل به المجتمع ويصبح مواطناً كاملاً يستطيع أن يحيا حياة طبيعية مثل الباقين، فهم لم يكتفوا بكونهم عمياناً ولم يصدقوا كلامه عن البصر، بل اشترطوا أن يصبح مثلهم حتى يعتبروه مواطناً كاملاً، إما ذلك وإما يحرم من الفتاة التي أحبها والتي هي بدورها وإن كانت لا تسخر من قصصه مثلهم، ولكنها في قرارة نفسها تعلم أنه مريض وأن ما يقوله ليس سوى قصص من صنع خياله، وفي اليوم الأخير قبل إجراء العملية خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة، ولما رأى الفجر يغمر الوادي بألوانه الساحرة، شعر أنه سوف يرتكب جريمة في حق نفسه.. ما الذي أنتوي أن أفعله؟ كيف أقبل أن أكون أعمى وأضحي بحاسة البصر؟ واتخذ قراره بأن يتسلق الجبال ويهرب، أخذ يتسلق بكل قوة وتصميم على الهروب، وحين غربت الشمس كان قد بعد جداً عن بلد العميان، أخذ ينظر للنجوم وهو يبتسم.

هذا ملمح من القصة وهي عبقرية في رمزيتها، تمثيل سردي لسلالة عمياء تعيش في وادٍ منعزل عن عالم البشر، رمى فيه سلالة من المكفوفين، ثم ابتكر حدثاً سردياً تأتى عنه تمثيل بالغ الأهمية لثنائية الإبصار والعمى، بعد أن ربطهما بنزاع ثقافي وقيمي بين رجل أبيض مبصر وسلالة عمياء أبعدت، جيلاً بعد جيل، عن مسار التاريخ، وكأن المبصر الأبيض جاء إلى واديهم لإنارة أبصارهم المنطفئة، فالعميان قد يكونون أفراد أي مجتمع انغلقوا على ذاتهم، ورضوا بظلام جهلهم وعاداتهم، فلم يعودوا يرون النور في أي مكان آخر، والعميان هم المتعصبون الذين لا يقبلون الآخر ما لم يؤمن بأفكارهم ويصبح أعمى مثلهم، كانت علاقته معهم إشكالية، فعندما أخبرهم أنه جاء من بوغوتا؛ حيث الناس يبصرون لم يفهموا كلمة "يبصر"، وعندما وقع في حب فتاة عمياء اشترطوا عليه أن يتخلى عن بصره؛ ليوافقوا على ارتباطه بها، الأمر الذي دعاه إلى الهرب منهم.. لم ينظر إلى ذلك الوادي باعتباره مكاناً احتضن جماعة بشرية احتمت به من الأذى الإسباني، إنما نظر إليه على أنه أرض مجهولة انزوى فيها غرباء، أصيبوا بالعمى، فاعتزلوا العالم.

لفظهم التاريخ كون أقدام المستكشفين لم تصلهم؛ إذ ينبغي أن يحضر المستكشف الأبيض ليعيد تأهيلهم بعد أن شذوا عن الطريق القويم.

إذاً فقد انبثقت حكاية بلاد العميان من خضم الخيال الاستعماري الذي شغف بالغريب والعجيب من الأراضي النائية والشعوب النائية، والمستكشفين الذين نذروا أنفسهم لإزالة العمى عنها باعتبارها حالة مظلمة من حالات الجنس البشري، وإدراجها في التاريخ الإمبراطوري، وهو تاريخ المبصرين، فاتخذ العمى، في قصة "أرض العميان"، موضوعه من الجدل بين الشعوب المتحضّرة والشعوب البدائية، ورغبة المستكشفين في حكم تلك الجماعات، وبسط السيطرة الإمبراطورية عليها.
إن الرواية تلقي بظلالها على كثير من الأحداث حولنا علنا نعتبر أو نتعظ، فعندما تكون أنت العاقل الوحيد في زمن الجنون، المتعلم الوحيد في زمن الجهل، المبصر الوحيد في أرض العميان، أن تكون قيمك وأفكارك وآراؤك ورؤيتك للحياة في كفة وتقبل المجتمع لك في كفة أخرى.. أن تشعر بأن عقلك وأفكارك عقبة بينك وبين المجتمع، أو أن ينظر لك المجتمع على أنك مواطن مريض ويجب علاجك، محكوم عليك بأن تشقى، وأن يكيلوا لك الاتهامات بالجنون والتهور والخيانة والعمالة والفلولية، فما أكثر أصحاب البصر عميان البصيرة بيننا، وما من مبرر لهم غير عمى أبصارنا وبصائرنا، فإما أن تستسلم وتصبح مثلهم، وإما عذاب أبدي مقيم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أبرز 10 سجناء عرب في غوانتنامو.. معتقلون منذ سنوات وهذه معلومات تفصيلية عنهم

$
0
0
لم يفِ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بوعده كاملاً بإغلاق معتقل غوانتنامو رغم الإفراج عن 90% من نزلائه؛ إذ سيغادر بعد أيامٍ البيت الأبيض، تاركاً وراءه عدداً من المعتقلين في السجن، ومن أبرزهم 10 سجناء من جنسيات عربية، ما زال وجودهم سبباً في بقاء السجن مفتوحاً، ومن بينهم سعوديون ويمنيون، ونشرت صحيفة "الشرق الأوسط" الجمعة 6 يناير/كانون الثاني 2017، أسماءهم ومعلومات تفصيلية عنهم.

بين حصارين: صناعة الأحلام والآثام

$
0
0
ها أنا ذا في موقع ما من سهل طولكرم الذي يمتد تحت التلة التي تقوم عليها المدينة , ويبدأ ضيقاً من مدخلها على الطريق القادم من مدينة نابلس الكبيرة ثم يتسع تدريجاً بين المدينة وجبال قرية شويكة في اتجاه الغرب نحو البحر الفلسطيني المغصوب. فإذا تحرر من الجبال الذي تطوقه من جهة الشمال, اتسع ملء المدى إلى ما وراء الأفق الغربي. ولكن هيهات .. فهو إذ يتسع إلى أبعد مدى يضيق فلا يتسع لقدميك .. حذار حذار من أن يغويك نداء البحر المختبئ وراء الأفق والمدى المفتوح ، فتمشي خطوة وراء " خط الهدنة " الذي يقطع السهل. فوراء الخط رصاصات تنتظر صدرك لتفجر حلمك باحتضان البحر.

قد وصلت الحدّ بين المدينة وأرض البرتقال الحزين الذي اغتصبه الكيان الصهيوني منذ عام 1948. وليس ثمة أسلاك شائكة تردع اندفاعك نحو الأفق الغربيّ. إنما هي علامات متفرّقة هنا وهناك ولوحة في موقع ما كتب عليها " خط الهدنة ". ولأنك يمكن أن تتجاوز الحد قبل أن تنبهك الرصاصات المتربّصة, فالأحوط أن تقف على بعد مسافة آمنة. تنظر وراء ذلك الخط الملتبس, فيمتلئ صدرك بالحزن والغضب والشوق والحنين ورغبة الموت .. أبيني وبين وفلسطين النكبة أن أمشي عشر خطوات دونها الموت الزؤام ؟ وما طيب العيش بعد فلسطين النكبة ؟ تتغلب غريزة البقاء على غواية السهل المفتوح والبحر الذي اعتاد عبر العصور أن يرى إقبال الغزاة ثم إدبارهم. وتؤجل العبور حتى موعد الشهادة. وإذ تذهب ببصرك نحو السماء ترى رفاً من الطيور يتّجه إلى الغرب. فيزيدك المنظر أسى وحنينا .. ويمتلئ فؤادك بصوت فيروز :
سنرجع يوما إلى حينا ..
ونغرق في دافئات المنى ..
...
يعز علينا غداً أن تعود
رفوف الطيور ونحن هنا !

ولكني هنا ما أزال. أتحوّل بنظري الآن صوب المدينة القابعة فوق التلة, تتخلل دورها الحجرية وحاراتها وطرقاتها أشجار السرو والصنوبر.

وأحاول أن أميز ملامحها من بعد .. وفجأة أشعر بالوحشة منفرداً في مكاني بين حقول القمح والذرة .. وأشتاق إلى دفء المدينة والحياة فيها .. وما هي حتى يحملني شوق المغترب إلى طرقاتها .. أجدني في مكان قصيّ من غربها : شارع المحطّة, حيث كانت تقوم محطة قطار الخط الحجازي قبل أن تتحوّل إلى خراب موحش, وهناك ينقطع عمران المدينة بخط الهدنة الملتف من السهل إلى حدود العمران. وترى شارعاً موحشاً خرباً يمتد عبر الحدود إلى قلب الوطن الضائع, كان يصل طولكرم بالمناطق الغربية حتى البحر, قبل أن يعطّله اغتصاب الوطن. وترى فيه الآن أثر العطالة الطويلة حفراً وشقوقاً انبثقت منها الأعشاب. ترممه مخيلتك وترده إلى ما كان عليه, وما ينبغي له أن يكون .. وترى الحافلات القديمة تسير عليه متجهة إلى الساحل .. ربما ليوم عمل في حيفا, أو لنزهة على شاطئ البحر. ما بال هذه الحدود تحاصرك أينما درت؟ تدير ظهرك لها وتمشي في شارع المحطة الجميل المحفوف بأشجار الصنوبر والسرو .. وتنتصب فيه دور كنا نعدّها أجمل ما في المدينة وأرقاه. تتناسى للحظة ما استدبرته من محطة القطار الموحشة والطريق المعطل الذي يعبر الحدود ولا يعبر فيه أحد. فما زال في الحياة ما يستحق الحياة. والحلم الكبير لا يجُبُّ الأحلام الصغيرة. والحد الذي يطوق العمران وراءك لا يملك أن يصادر أشواق الصبا التي يبعث جذوتها شارع المحطة الجميل. فهنا تقطن أجمل ثلاث فتيات في المدينة : أختين وصديقتهما. وما أحسب فتى لم يشدّ الرحال إلى ذلك الحي, لعله يحظى بنظرة لن ترجع عليه إلا بحسرة .. فقد أحبهن الجميع, ولم يحببن أحداً منهم .. كن حوريات في أنظارهم ، وكانوا مجرد " زعران " في أنظارهنّ ! لا يزيدهن الجمال إلا تعاليا وحياءً وترفعاً. وأشهد أني لم أرَ واحدة منهن تلتفت إلى أحد، مهما يجتهد في لفت الانتباه. ولكل من " الزعران " أسلوب يحسبه مجديا. فهذا يبالغ في تصفيف شعره ودهنه وإرسال غرته إلى الأمام, ويطوق عنقه بمنديل معقود, ويكشف أعلى صدره ويرتدي بنطالا ضيقاّ قصيراً يرتفع عن كعبيه على الطراز الشائع, ويرش جسمه بعطر رخيص يحسبه عند الغيد شيئا ، ويمشي مستعرضا نفسه وهو يهز بيده سلسلة تلتف على إصبعه ثم تنفلت عنها متقمصا أحد فتيان الشاشة مثل أحمد رمزي وربما عمر الشريف. وقد يدندن بأغنية رومانسية لعبد الحليم.

وهذا آخر يؤثر المظهر الرسمي الجاد الذي يوحي بالمستوى اللائق بحسناوات جمعن بين الجمال والمستوى الاجتماعي الراقي. فيفرق شعره كما يليق بأبناء المحترمين, ويرتدي بذلة وربطة عنق وحذاءً لامعا . فهو أيضا " ابن ناس " .

وهذا " أزعر " أدرك أن أمله في الوصال كأمل إبليس في الجنة. فقنع بالتفاتة ولو كانت التفاتة إنكار, وابتسامة ولو كانت ابتسامة سخرية. فإذا مررن به في طريقهن إلى المدرسة أو منها, تقمّص دور المهرّج، فأطلق التعليقات والنكات البذيئة والضحكات الصاخبة.

وهذا آخر اختار أن يصنع لنفسه هيئة الرومانسي الشاحب الهائم الذي أهمل مظهره ، لا لانعدام القدرة, ولكن لأن مخبره يغني عن مظهره, وقد صرفته الهموم العظيمة والقلق الوجودي والتساؤلات الكبرى والمشاغل الفكرية والثقافية عن الاعتناء بالمظاهر التافهة وصغائر الأمور !

وهذا آخر قد بدأ في تعريف نفسه شاعراً وأديباً. لم لا وقد نشرت له صحيفة الجهاد بضعة أبيات في زاوية بريد القرّاء؟ فهذه أول خطواته إلى الصفحات الرئيسة, ومنها - إن شاء الله - إلى المجلات الأدبية الكبرى, ومنها إلى الدواوين المطبوعة, ومن يدري ؟ ربما صار علماً في المشرق والمغرب, وصار تقرّب الحسناوات إليه طموحاً مستعصياً إلا على المحظوظات, أما من رفضت عروض عشقه وهو في أول الطريق إلى المجد, فلسوف يأتي يوم تدرك فيه أيّ فتى أضاعت, فتعض أصابع الندم على ما كان متاحا لها ثم صار مستحيلا. أهذا الذي كانت تظنه فتى كأي فتى, وهو في غيب المصائر والأقدار عظيم !

وهذا آخر قد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وهو يحاول حباً لا رجاء منه. فجلس يفكر ويقدر ثم ينظر ثم يعبس ويبسر, ثم يقبل ويدبر. فلا يجد سبيلاً للفوز بقلب الحورية المترفعة إلا بحدث درامي قوي يبرز فيه فارسا من عصر الملاحم تتجلى فيه أسمى صور الشهامة والشجاعة والنخوة . ولكن ما السبيل إلى ذلك ولا حرب يخرج منها بطلاً تهتف باسمه العذارى, فإن لم يكن تواضعت أحلامه إلى مظاهرة سياسية ضد أذناب الاستعمار, يقودها محمولاً على الأكتاف, وتقتحم مدرسة " العدوية " للإناث لتخرج الطالبات من صفوفهن وفيهن فتاة أحلامه, ثم لا بأس بأن يسجن في سبيل الحرية لأيام معدودات لا يلقى فيها عذابا شديدا ولكنها تكفي لأن يخرج من السجن مرفوع القامة, يشير إليه الناس وتتهامس البنات به تقديراً وإعجاباً. وإذا لا شيء من ذلك وضاقت به الأسباب, ازدادت أحلامه تواضعاً, فتخيل أنه يصادف فتاة أحلامه في الطريق, ليجد أن أحد " الزعران " يتعرّض لها بقلة الأدب والمضايقات فتأخذه النخوة العربية, وتحركه الغضبة المضرية, ويدعوه داعي الفروسية ، فيشمر عن ذراعيه وما هي حتى يصرع " الأزعر " الدنيء على ما أوتي من بسطة في الجسم. ولما كان هذا الاحتمال بعيداً في الواقع فلم لا يتفق مع صاحب له كي يقوم بدور " الأزعر ", فيتسنى أن يؤدي هو دور البطل على وفق خطة مسبقة يرضى بها صاحبه أن ينهزم له .

ولكن أي فتى آخر يمكن أن يرضى بهذا الدور الخسيس والوصمة المترتبة عليه؟ وما يدريه لعلّ الأمر يتفاقم وتخرج الأحداث عن النص فيتدخل بعض أهل الفتاة. وتلك لعمر الله طامة كبرى. الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ, إذ يتبرأ صاحب الدور المساند من صاحبه ذي البطولة المطلقة : " هذا الذي أضلّني السبيل فاجعلوا له ضعفين من العذاب "! وإذ يجد الحالم المسكين أنه لا يهتدي سبيلا للفوز بقلب الحسناء. يؤجل التدبير إلى يوم آخر. وقد يعزّي نفسه بأن الله إذا شاء فعل .

تعددت الوسائل والإخفاق واحد. فالفتيات الثلاث اللواتي أحبهن الجميع ، لم يحببن أحدا ولم تلتفت إحداهن إلى أحد . ولا أراني الآن وأنا في شارع المحطة الذي تهفو إليه القلوب المعذبة ، أحظى بأحسن مما حظي به غيري . ولا ثمّ غير طيف عابر خلف زجاج الشباك الذي تطوّقه شجرة الياسمين المتسلّقة . ولا أدري أهو طيف الأم أم البنت أو حتى الأب, والعياذ بالله! فلأتابع السير نحو قلب المدينة في اتجاه مدرسة خضوري الزراعية. هذه أولاً مدرسة خالد بن سعيد التي درست فيها صفاً إعداديا واحداً, تقع أدنى مرتفع حادّ وتقوم أعلاها مقبرة المدينة, ويليها حيث يستوي المرتفع مدرسة عمر بن عبد العزيز التي اصطلحنا عليها باسم " العمرية ", وهي المدرسة التي درست فيها الصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى .

وإذن فالمقبرة بين مدرستين إحداهما أدنى المرتفع وأخراهما أعلاه. وأشباح الموتى لا تقوم في النهار! فلم تكن رهبة الموت لتردعنا في نهار الدراسة أن نتسرّب من ساحات المدرسة إلى المقبرة في وقت الفسحة, لنختلس " شفطة " من سيجارة تتنقل بيننا. وما كنا نملك ترف انتقاء نوع السيجارة. وما كانت ذائقتنا قد ارتقت إلى مستوى التمييز بين الأنواع . فلتكن من سجائر " لولو " الأكثر رخصاً والأقل جودة والأشدّ لذعاً للفم والحلق. فإن توفرت لنا سيجارة " كمال " الأكثر جودة فنعمت هي. أما سيجارة "غولد ستار" الفاخرة فمطلب مؤجل إلى زمن آخر حين بلغناه كانت هذه السيجارة قد غابت عن الوجود وتوقف إنتاجها. وحل محلها أنواع أكثر جودة وفخامة. حسبنا الآن من السيجارة ذلك "الدوخان " اللطيف الذي يخامر الرأس, ولذة الاختلاس, ونشوة عصيان السلطة, ومتعة التجريب والمغامرة الخطرة, بعيداَ عن عيون الرقيب المدرسي أو العائلي.

كيف غدت المقبرة ساحة الحرية بين مدرستين تضجَّان بالحياة ؟ تلك واحدة من المفارقات الكثيرة التي ستواجهها في قابل أيامك. ولكنك لا تفوز دائماً في لعبة القط والفأر التي تحكم علاقتك بمدير المدرسة. وإذ تنقضي الفسحة وتعود للاصطفاف في ساحة المدرسة تمهيداً لدخول الصفوف من جديد, يبرز المدير يحف به أركان حربه وبإحدى يديه عصا وبالأخرى ورقة يقرأ منها أسماء الزعّار والدعّار وأصحاب الشر والمعاصي الذين استتروا بظل الموتى ليقترفوا إثم التدخين, فحق عليهم القول و التأديب والتعزير والعذاب على مشهد من زملائهم ليكونوا لهم عبرة. وإذن, فإن جاسوساً مُجَنّداً قد وشى بالعصاة. وعلى من يسمع اسمه أن يخرج من الصفوف ويتقدم إلى حيث يقف المدير لينال جزاءه العادل: ضربات شديدة بعصا الخيزران المرنة اللاسعة على ظاهر اليد وباطنها. ولكن لعبة صراع الإرادات تبقى مستمرّة وقت العقاب. إرادة المدير أن يوجعك حتى تصرخ أو تتأوَّه أو تناشد وترجو وتعد بالتوبة. وذلك في عرف التلاميذ ما يسقط مروءتك وتباشير رجولتك, ويغري بك المتنمّرين. فلتكن إرادتك أن تمدَّ يدك للعصا بسرعة ودون تردد. وتتلقى الضربات الموجعة دون أن ترتدّ يدك ولو قليلاً, بل دون أن تنقبض ملامحك. ففيك من الرجولة والصبر ما يقهر الألم وإرادة الجنرال المدير. وإنك لتعلم أن صبرك على هذا النحو يغري المدير بأن يبالغ في قوّة الضربات وعددها ليبلغ منك تلك الآهة المذلّة. ولكن: المنايا ولا الدنايا. فإذا انقضى العذاب وعدت إلى مكانك في الصفوف فلا ينبغي لك أن تنفخ في يدك الملتهبة المحمرة التي يكاد أن ينفجر منها الدم, لتبردها من لهب الوجع. فعيون زملائك ما زالت تلاحقك لتحكم فيك. فإذا نجحت في هذا الاختبار حظيت باحترامهم وارتفعت مكانتك بينهم, وليذهب رأي المدير والمعلمين فيك إلى الجحيم. فالسلطة الغاشمة هي الجحيم. وتذكر الآن في وقفتك من المدرسة أن العدوّ الغازي من ورائك, خلف الحدود التي قطعت وطنك, وأنّ السلطة الغاشمة من أمامك متشخّصة في المدير الذي يلهب اليدين بالعصا, وربما انهال بها على الجسم كله دون تمييز. وهو يحسب أنه يؤدبك كما ينبغي للأب الراعي حتى يستقيم أمرك ويعتدل اعوجاجك مبكراً, قبل أن تستمرئ الفسوق والتمرد والعصيان, فيذهب مستقبلك هباء. فالنار من مستصغر الشرر. والعصا لمن عصى. وهذه العقوبات الجسدية و المعنوية باطنها الرحمة وإن كان ظاهرها العذاب. وهو لا يفتأ بين الفينة والأخرى يتمثل قول الشاعر :
و قسا ليزدجروا ومن يك حازماً
فليقس أحياناً على من يرحم

فإن فاتك اليوم هذا المعنى من قسوته, فلسوف يأتي يوم تدركه فيه, فتسترجع ذكراه بالحب والخير والشكر والعرفان. وتطلب له الرحمة حياً وميتاً كفاء ما أبدى لك من الرحمة المحتجبة بالقسوة الرادعة, والغلظة الرائعة, والسلطة الجائعة.

وقد جاء ذلك اليوم. ولكن هيهات هيهات. فأنت اليوم أشد رفضا ونفورا وإنكاراً لذلك المعنى المزعوم ، ولتلك السياسة التربويّة المتخلفة . فكم من تلميذ ضاق بذلك الإذلال والقسوة, فغادر مقاعد الدراسة من غير رجعة. وقنع من مستقبله ببيع الكعك أو أعمال الحدادة والنجارة ونحوها. فلم تنكسر عصا المدير على جسده الغض حتى انكسرت معها أحلامه وآماله. وكان عليه بعد زمن أن يرى بعض زملائه وقد صاروا أطباء ناجحين ومهندسين لامعين وأساتذة جامعات بارزين, وهو ما زال يكافح من أجل لقمة العيش, لا يرجو أن يذكر بعض هؤلاء أنهم في يوم ما كانوا معه على صعيد واحد. يتقاسمون الأحلام والآمال والخبز والسجائر الرخيصة ويطاردون معا فراشات الربيع, ويستمتعون بكل ما تمنحه لهم الحياة مجاناً : قوس قزح غب المطر ورائحة الياسمين والزنبق البريّ. ويتنافسون للفوز بقلب الطالبة الحسناء نفسها, تلك التي أحبها كل منهم, ولم تحبّ أحداً منهم.

لا، أيها المدير الجنرال, لم ندرك ذلك المعنى. وإذا كانت النار من مستصغر الشرر, فإنها تصلح أن تكون كناية عن معنى آخر: فالطغاة الكبار الذين يبطشون بشعوبهم, هم من الطغاة الصغار الذين يوطّئون لهم ويعدون لهم أجيالاً نشأت على الخوف والخنوع والخضوع. وكلهم, كبيرهم وصغيرهم, على مذهب واحد من الذرائع: إنما نرعاكم بسلطان الأبوة, ونقسو قسوة الحازم على من يرحم, ونحن أدرى بمصالحكم, ونعلم ما لا تعلمون ، وما نريكم إلا ما نرى وما نهديكم إلا سبيل الرشاد! و ثمة أعداء من الخارج يتربّصون بكم الدوائر, فإن رأوا فينا ميوعة وفوضى مالوا علينا ميلة واحدة, فذهب الراعي والرعيّة. سبحان الله! لا يأمن الناس تهديد الغزاة إلا بترويعهم من طرف الطغاة, وهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن يستعبدهم الطغاة, وإما يستعبدهم الغزاة. والحق أن الطغاة هم شرط الغزاة !

وأعلم أن الحنين إلى الماضي يحمل كثيراً من الناس على أن يمحوا القبيح من صورة المدرسة, وأن يضحكهم من ذكرياتها ما كان يبكيهم, وأن ينسبوا إليها ما يتمتعون به من مهارات رياضية ونحوية يزعمون أن مدارس أبنائهم الحديثة لا تؤسس مثلها في الأجيال الجديدة.
ويغفلون عن أنّ نظامهم التربوي القديم لم يكن غير ساحة لمعركة البقاء لا ينجو منها إلا الأفضل. وهؤلاء يمكن القول فيهم إنهم تعلموا وتفوقوا وتقدّموا على الرغم من المدرسة لا بفضلها.

وقد يحسب البعض أن النظام التربوي الضيق القاسي, أشد ما يكون على الأقل ذكاء ونباهة. وهو لا شك شديد عليهم, طارد لهم. ولكنه أيضا عدو للعباقرة والموهوبين. ذلك أن النظام شديد الضيق عليهم, لا يتسع لمواهبهم ولا يرعاهم فرادى, ولا يوفر لهم من التحديات العقلية والعلمية ما يطلق استجاباتهم الفريدة. فتجدهم في ملل من منهاج عقولهم أكبر منه. وإذا اختار أحدهم أن يعبر عن مواهبه بما يخرج عن المساحة المألوفة اتهم بالغرور والادّعاء والاستعراض وتحدّي سلطة المعلم المعرفية والرغبة في إحراجه. فيؤثر السلامة حتى يخرج من هذا الحيّز الضيّق. ويتردد أن أينشتاين لم يبد في المدرسة تميّزاً خاصاً يتناسب مع مآله. وقد يتوهم البعض من ذلك أن العبقرية قد حطت عليه متأخراً . ولكن الأمر ليس كذلك يقيناً. فلا ينام الإنسان على حال من الذكاء المتوسّط ، ليصحو عبقرياً. والحال أن النظام التربوي المدرسي لم يكن ليفسح لعبقريته أن تتجلى على وسعها، فكان ما يتلقاه دون قوّة عقله وأقل من أن يستنفد نشاطه وجهده. فما يحتاج الآخرون إلى أيام لاستيعابه، يستوعبه هو في لحظته. ثم يكون عليه أن يغالب الملل في انتظار لحاق الآخرين به. فلما تحرّر من تلك الحدود الضيّقة، انطلقت عبقريته على وسع الكون الذي فكّك ألغازه وأعاد تعريفه، وغيّر بذلك صورة الكون في الأذهان .

لا، لم يحملني الحنين إلى الماضي ولا الاحتفال الوجداني بلقاء طولكرم بعد طول غياب، أن أمحو القبيح من صورة المدرسة. ولكني مع ذلك لن أسمح لهذه الوقفة أن تفسد علي تجوالي في مسارح الصبا وطرق الأحلام. فلأتابع السير منعطفاً إلى مدرسة خضوري الزراعية. سيصبح اسمها بعد حين كلية الحسين الزراعية وسوف تتحول أخيراً إلى جامعة. ولكن مالي والمستقبل، أنا القادم منه إلى الماضي الجميل، إذ كانت مدرسة خضوري كأنها قطعة من الجنة بأشجارها الكثيفة الباسقة, وبسائطها المعشبة, وشوارعها الداخلية النظيفة, وعمائرها الأنيقة، ومزارعها الخضراء التي يحدها خط الهدنة مع الكيان الصهيوني. وكان دخولها حصراً على طلبتها ومعلَمّيها وموظفيها، فلا يدخلها سائر الناس إلا في مناسبات مخصوصة كمباريات كرة القدم التي تقام على ملعبها العشبيّ الذي تحيط بأضلاعه أشجار السرو. فكنا نحتشد لنشجع فريقنا الكرمي ضد خصمه الضيف. وكان مدير المدرسة مشهوراً بالصرامة والضبط والربط على قلة ما نشاهده. يغفر له أنه كان له ابنتان في مثل أعمارنا تنافسان الحوريات الثلاث نضرة وجمالاً. ولم يكن حظ الفتيان منهما بأحسن من حظهم من الحوريات. على أن ذلك لم يمنعني أن أتغزل بإحداهن شعراً سار بين الرفاق. ولعلّ بعضهم قد ادعاه لنفسه. وما كنت لأصارع من أجل حقوق ملكيتي له، فينكشف أمره في مجتمع محافظ يتغنى بشعر الغزل ما دام في امرأة مجهولة. فإذا كان في فتاة معلومة من أهل البلد وقد سمّتها القصيدة، فلا يدري صاحبها على أي جنب يميل، وأيّ ثائر يتقي، ومن أين يأتيه العذاب والعقاب: من أبيه الذي سيكون تقريعه أشّد مضاضة من وقع الحسام؟ أين ما بذل فيه من التأديب والتربية على مخافة الله ومكارم الأخلاق والمروءات، فإن لم تردعه هذه فليذكر أن له أخوات كتلك التي تعرّض لها بغزله. فهل يسرّه أن يتعرض لهن أحد بمثل ما فعل؟ أبمثل هذا الشعر نحرّر الأوطان ؟ لقد احتمل الابن إثما وبهتاناً عظيماً لا تكفرهما إلا التوبة الصادقة وكثرة الاستغفار، والاجتهاد في النوافل .
ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أم يأتيه العقاب والعذاب من مدير المدرسة الذي لا يتزحزح عن مذهبه في ضرورة أن يقسو الحازم على من يرحم ليردعه عن غيه، وبذلك ينقذه من نفسه!
أم من قوم الفتاة الذين انتفخت صدورهم وحميت أنوفهم وصاح صائحهم، يا لثارات بني عبس!
فليدّع القصيدة من يشاء، فلن تبلّغه أكثر مما تبلّغني. وما هي إلا نفثة محرور يعينه الجمال العصي على اكتشاف الشعر فيه. ولسوف يتلو ذلك قصائد أخرى تتحدّى سلطة رقيب أشدّ خطورة وأنكى عذابا، وتصنع لنفسها فضاءً لا تقطعه حدود الغزاة ولا تطوقه شرطة الطغاة، وتعبر فيه رفوف الطيور الفيروزيّة التي يعز علينا غدا أن تعود، ونحن هنا.

ولكنني هنا الآن في طولكرم، في مرابع الصبا الغابر لا يشدني إلا شوق العائد بعد طول غربة في أرض التّيه. أخلّف مدرسة خضوري ورائي مصعّداً. هذه سينما (الفريد) على زاوية الشارع المنحدر عن يميني. وغير بعيد أمامي، وعن يساري سينما ( الأندلس ) التي كان اسمها في أول أمرها سينما ( يافا ). إلى هنا كنا نفرّ من ملالة مدينة تنام مع غروب الشمس، قبل أن نُعيد اكتشافها في عالم الذاكرة، ويحوّلها الحنين إلى فردوس مفقود. هنا كنا نأتي لننسى، ولو لساعتين أو دون ذلك، واقعاً ثقيلا يحاصره الغزاة والطغاة وتندحر فيه الرغبات المحبطة. هنا نافذة نُطلّ منها على عالم ليس لنا حيث الصور الجميلة التي تنتجها مصانع الأحلام في هوليود والقاهرة .

وكما كنا نستقبل العالم الواقعي بذائقة ساذجة متواضعة في معاييرها ومتطلباتها وتوقعاتها، قبل أن تفقد الأشياء قدرتها على الإدهاش مع تقدم الوعي وتزاحم الخبرات وتراكم المعارف وبطر الحواس، كنا كذلك نستقبل الأفلام. فمن النادر أن يخيّب فيلم آمالنا في الإقناع والتأثير. في زمان آخر سوف يصبح من النادر أن يدهشنا فيلم بجودة نصه وتنفيذه على الرغم من التقدم الهائل في صناعة السينما. ولسوف نعجب ونحن نشاهد فيلمآ قديماً، كيف استطاع هذا الفيلم أن يضحكنا ويبكينا إذ شاهدناه أول مرّة : حبكة ضعيفة، وقصة ساذجة مكرورة، ومعالجة " ميلودرامية " تخاطب العواطف السطحيّة، وشخصيات مسطّحة أحادية، وعجز عن استبطان الواقع وعلاقاته وشروطه، وحوار ركيك، وإخراج بدائي، إلا بالطبع من استثناءات قليلة بقيت تحتفظ بتميزها على الرغم من تقادمها. وعلى أي حال، فلا ندامة ولا رثاء لوقت ضائع. بل ينبغي أن نشكر لسذاجة وعينا وتواضع أحكامنا في ذلك الحين. فلولا ذاك لخسرنا تلك الأحلام الجميلة التي كانت ترتسم على الشاشة السحريّة، ولكانت الحياة إذ ذاك أكثر ملالة وكتامة. ولكن، ما بالنا الآن, إذا عرض واحد من تلك الأفلام القديمة على إحدى القنوات التلفازية، نُعيد مشاهدته بكل اهتمام وشغف، على الرغم من أحكامنا النقدية القاسيّة، ولا نتسامح مع الجديد تسامحنا مع القديم؟ الآن يجذبنا إليه سبب آخر، غير أسبابنا القديمة. الآن يردنا إلى ذلك الماضي الجميل المضيء, ويبعث فينا الصبي الذي كنّاه. كان في الماضي نافذة نطل منهاعلى عالم ليس لنا، والآن هو نافذة نطل منها على عالم كان لنا وفقدناه إلى الأبد .

وللسينما عادات في خداع الوعي والحواس. فما يرتسم على الشاشة أجمل دائماً من الواقع. فالممثلون يصبحون نجوماً لامعة. والنجوم دائماً جميلة براقه غلاّبه .

وإذ نعيد مشاهدة أحد تلك الأفلام العربية القديمة، نعجب كيف كانت هذه الممثلة أو تلك تخلب ألبابنا وتغذي أحلامنا وتهيج أشواقنا. والآن وقد تحررنا من سلطان النجومية وفتنتها مثلما تحررنا من عشى الرغبات البدائية, الآن نرى تلك الممثلة بعين أخرى أكثر حدّة وأقل تسامحاً وكرماً: قوام ممتلئ وردفان عريضان، وعنق ثخينة .

وذلك المطرب الممثل الذي فتن قلوب العذارى وأرّق جفونهنّ، حتى بللن مناديلهن بدموع العشق المستحيل، ومشى بهن على طريق الشوق والشوك، وأيقظهن صوته من جوف الليل، وصرفهن عن يقظة النهار .. ذلك المطرب الذي عشقنا أغانيه بقدر ما شعرنا بالغيرة منه، فهو على البعد يبلغ من قلوب الحسان ما لا نبلغ نحن على القرب .. نطلب الواحدة ولا نجدها ، وهو يكتسح قلوبهن على الجملة من مكانه القصي في سماء مرصّعة بالنجوم .. ذلك المطرب، لم يكن له من الوسامة بعض ما له من الموهبة والصوت الرّخيم الشجيّ .. ولكن للشهرة والموهبة سلطان وضوء باهر يعشي الأبصار، ويؤجل الكهولة، ويطيل القامة، ويجمّل القبيح. والجمال كما قيل في عين الرائي لا في حقيقة المرئيّ .. ومهمّة السينما كمهمّة السحر: أن تسحر أعين الناس حتى ليخيّل إليهم من سحرها أن مشاهيرها ( أبطالها ) قد صنعوا من غبار النجوم، حين خلق سائر الخلق من صلصال من حمإ مسنون .
قل في صوت أم كلثوم ما شئت، ولا تدّخر شيئا من ديوان المدائح، إلا ما كان من جمال الصورة. فما بال كل هؤلاء المبدعين الذين اتصلت سيرتهم بسيرتها قد بذلوا في عشقها أعمارهم ومواهبهم, وبعض كبريائهم، وهي متحصّنة عنهم في علياء مجدها. فقنعوا منها بأن تبقيهم في ظلها العالي، يحاولون حباً يائساً أو يموتون فيعذرون. فهذا الشاعر الموهوب ينفق طاقته الابداعية في كتابة الأغاني لها. وكان بوسعه أن ينافس على لواء الشعر الفصيح. وهذا الموسيقار العظيم يرضى من قربها بأن يرافق حفلاتها الغنائية " عوّادا " في فرقتها الموسيقية, إذ تعزف ألحاناً من صنع غيره, فيضرب على عود تضيع أنغامه في زحمة الآلات الأخرى .

لم تأت هذه الفتنة الطاغية المتسلطة من جمال الوجه والصورة يقيناً. وإنما شعّ بها سلطان الشهرة والمجد والموهبة الفذّة، ذلك السلطان الذي في وسعه أن يعوّض عما ضنت به الطبيعة من أنوثة أو فحولة, أو هي جاذبية تحاكي قانون الجاذبية الطبيعي، إذ يجذب الجرم الكوني الكبير ما دونه من الأجرام إذا دخلت في نطاق جاذبيته, أو كأنها نزوع الإنسان إلى تأكيد قيمته وتفردّه إذا اصطفاه من دون خلق الله حبيب عصيّ بعيد المنال شغل الدنيا وملأ الأسماع وتزاحم على بابه المعجبون والعشّاق، وتنافس في حبه المتنافسون!

ولكن مهلاً ! قل اللهم لا حسد. فلا يكافئ مغانم شهرة الفنانين إلا مغارمها .

فمن الناس في مجتمعنا من تحصن من سحرهم، فهو يميز بين الأغنية والمغني، والتشخيص والمشخِّص. لنا أن نستمتع بما يقدمه هؤلاء ولكن المطرب في نهاية الأمر " مغنواتي " والممثل " مشخّصاتي ". وهو ما لا ترضاه العائلة المحافظة لأبنائها مهما تكن امتيازات المال والشهرة . ولطالما كانت الشهرة - على كل حال - طرائق جددا. فمنها صيت حسن ، ومنها صيت سيء. ألا ترى إلى من أشيع عنه صيت سيء، يقال فيه : قد شُهّر به ؟ فالتشهير والشهرة من جذر واحد! ولطالما لحقت بمجتمع الفنانين وصمة الانحلال والسهرات الحمراء. وبذلك يعيش الفنان مفارقة حادّة بين التعظيم والتبخيس. فتارة يمشي مختالاً بين معجبيه، يوشك أن يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولاً، وتارة أخرى يجد من القوم من يسلقه بألسنة حداد ويصدّ عنه صدوداً. فإن لم يكن هذا كافياً، فثمة آخرون لا ينكرون مهنته حتى ينكروا معها فنه على الجملة. فهو عندهم هزل لا يليق بذوي الأحلام، أو هو إثم من عمل الشيطان ينبغي اجتنابه، إذ يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، ويصرف عن مكارم الأخلاق .

في طولكرم ، كنت لا ترى في دار السينما إلا الشباب والفتيان في معظم الأحيان. إن لم يكن ذلك ترفعاً من الكبار عن ترفيه ملتبس بالهزل، فترفعا عن الجلوس بين فتية صاخبين غير راشدين, كلما جاء مشهد تقبيل، تلقوه بالصفير والتعليقات المبتذلة. وإذا نشب عراك على الشاشة بين البطل الطّيب الخير وخصومه الأبالسة شبوا عن مقاعدهم يصفّقون للبطل ويحرضون ويذمرون على القتال .

وأحسن الأفلام عند كثير منهم ما جمع بين كثرة التقبيل والمشاهد الساخنة وكثرة العراك . فإذا عرض فيلم من هذا النوع تواصوا به وأقبلوا عليه يتذامرون .
في مقام كهذا لا نتوقع أيضا أن تقبل الفتيات إقبال الفتيان، إلا إذا كان الفيلم من النوع العاطفي الرومانسي، لا سيما أفلام عبد الحليم حافظ. وهنا يتزاحم الفتيان على دار السينما تزاحم النحل في قفيره، لا يغريهم من الفلم ما يغري الفتيات، وإنما يغريهم إقبال الفتيات أنفسهن. فهي من المناسبات النادرة التي يجتمع فيها هذا الحشد من الفتيان والفتيات في حيّز واحد .

فترى الفتيان وقت العرض يقلّبون أبصارهم بين الشاشة وبين الفتيات اللواتي يجلسن في نصف الصالة المخصص لهن. فلا يجاور الفتى فتاة مباشرة في مقعده. وبين القسمين طريق المرور .

يودّ أحدهم لو كان له من الحظّ في الحب ما لبطل الفيلم، حتى لو جاء ذلك في صفقة واحدة مع مرض عضالٍ لا يرجى شفاؤه في بلد العاشق، إلا أن يسافر إلى أوروبا لتجربة علاج هناك، حظوظ نجاحه ضئيلة. ولكن من عادة الأفلام أن تتغلب فيها النهايات الجميلة على أسوأ التوقعات وأعتى التحديات، ليفوز العاشق بالحسنيين، الحبيبة والعافية، بعد أن ظنّ الجميع كل الظن ألا أمل ولا تلاقي، وأن جرح العاشق لا يهدأ ولا ينام، لا في يوم ولا في شهر ولا في سنة، وأن " حكاية حبّه " محكومة بفجيعة محتومة!

على أن الفتيات في نصف الصالة المخصص لهن منصرفات كل الانصراف عن لواعج الشباب في النصف الآخر. بل لعل العواطف المشبوبة التي تتمثل على الشاشة تزيدهن زهداً بهم. شتان عندهن بين صناعة الواقع وصناعة الأحلام .

وأين شاب من هؤلاء الذين يقبعون في عتمة المكان من نجم الفيلم الذي ينضح رقةً و نبلاً وصدقاً وموهبةً ومثاليةً. إن لم تكن قصة الفيلم وشخصياته تجسيداً للواقع، فإنها حجة عليه، تزدري به وتكشف قصوره. لا عزاء للفتيان في صالة السينما. وسوف يرجع بطل الفيلم من رحلته في العلاج إلى أوروبا معافى، وسوف يلتئم شمله مع حبيبته الجميلة. وعندها تنقلب دموع الفتيات في دار السينما إلى دموع فرح. انتهت رحلة العذاب، وانتصر الحب ولكن في عالم آخر.

فإذا انقضى الفيلم لم تخرج الفتيات حتى يتم خروج الفتيان أو إخراجهم. ولكن هؤلاء يتلكؤون عند باب السينما يرجون إرسال نظرة أخرى لا يستقبلون مثلها.

وكنت ترى الفتيان إذا خرجوا من باب السينما قد تقمّص بعضهم حال بطل الفيلم على حسب قصته ونوعه, فإذا كان من أفلام الغرب الأمريكي ورعاة البقر رأيت أحدهم يمشي وقد ابتعد بذراعه عن خاصرته وأخذ يقبض يده ثم يبسطها كأنه يستعد لسحب مسدسه الوهمي بسرعة البرق في مشهد المواجهة الأخيرة . فإن كان في صحبة انخرطوا معه في مبارزات يتبادلون فيها إطلاق النار وهم يسدّدون بأيديهم المشهرة، وقد ينفخ بعضهم على رأس سبابته ليبردها من حميم الرصاص الغزير ودخانه ويتابع. وإن الرصاص لا ينقضي من ذلك المسدس العجيب دون حاجة إلى إعادة حشوه. وإذا كان مثل هذا المشهد في الفيلم قد استغرق بضع دقائق أو دون ذلك، وانتهى كالعادة وبالضرورة بمصرع الأشرار جميعاً على كثرتهم وسلامة البطل ذي المهارة المعجزة، فإن مشهد المحاكاة لا يكاد ينقضي. فالنص هنا مفتوح ومرتجل. ولا يودّ أحدهم أن يموت أو ينهزم. فلا يسقط أحدهم نفسه على الأرض من رصاصة صاحبه الذي ظن أنه قد أرداه قتيلاً، حتى يفاجئه الأول بالنهوض ليسدد له رصاصة ينبغي أن تكون قاتلة. ولكن هيهات .

لا أحد يموت. وغاية ما يرضى به جرح في أعلى ساعده أو فخده لا يعطّل قدرته على متابعة إطلاق النار. وهكذا حتى يملّ القوم ويصل بعضهم إلى باب داره، لتذكره كوفية أبيه و " قمبازه " ولهجته الريفية بأنه عربي فلسطيني من ( طولتشرم ) طولكرم بينه وبين الغرب الأمريكي بعد المشرقين وبعد المغربين :
وين بكيت ( بقيت ) حظرتك ( حضرتك ) داير لهسّع ( لهالساعة ) ؟
مع أصحابي!
وين مع أصحابك ؟
بندرس مع بعظ ( بعض ) .
هه ! تنشوف يا فالح !

أحسب أن والدي - رحمه الله - كان أكثر تصديقاً لروايتي عن قضاء الوقت في الدراسة مع بعض أصحابي. ربّما لأنني كنت " الأول " في صفّي على توالي الأعوام، على الرغم من المنافسة الشرسة في مجتمع طولكرم الذي كان يضع التعليم والتفوق الدراسي في الدرجات العليا من سلّم القيم الاجتماعية ، باعتبارهما الشرط الأهم للحراك الاجتماعيّ والاستثمار الأعظم الذي ينقل الأسرة الممتدة بمجملها من حال معيشي إلى حال أفضل، ومن طبقة إلى أخرى. فلم يكن على والدي أن يشكّ في روايتي وهو يرى نتائجي السنوية، ويستمع إلى مدائح المعلمين لي, وهي التي لم أكن أكيل لهم مثلها. فالتفوق العلميّ في مجتمع طولكرم يكافئ التفوق الأخلاقي. وذنب المتفوق مغفور ولو عَظُم. أما المتأخّر فلا يكاد يشفع له شيء من حسن الخلق والخلقة، فهو مذنب بلا ذنب. وعليه أن يعيش مع وصمة التخلّف الدراسي، في كل حين تلاحقه بوابل من الأوصاف القبيحة :
( تيس ، حمار ، بغل ، بهيم ، غبي ) ، وتنذره بمستقبل معتم .

سوف تنتهي " عتّالا " ، أو موزع جرائد ، أو " سمكريًّا " ، أو " زبَّالاً " ... ما ظنك غدا إذا صرت عالة على بعض إخوانك وقد يصدّون عنك صدوداً، إن لم يكن من أنفسهم فبتأثير أزواجهم!

لا عجب إذن أن يكون والدي فخوراً، وأن يصرفه ذلك عن أن يظنّ بي سوءاً إذا ادّعيت أني كنت في شأن الدراسة مع أصحابي، وقد كنت في دار السينما على الحقيقة. وهي في معاييره الأخلاقية أقرب شيء للحانات الليلية التي نتسامع بها في ديار الكفر والمدن الصاخبة البعيدة ولا نراها. بل لعلّ صرامة معاييره الدينية والأخلاقية هي التي كانت تدعوه إلى تصديق حجتي، وتصرفه عن اختبار صحتها. فهل يعقل أن ينحدر ولده المتفوق في دراسته والذي نشأ في بيت دين أن ينحدر إلى ذلك الدرك الأسفل فيذهب إلى دار السينما ليشهد تلك الرذائل متصورة أمامه؟ كان على بيتنا أن يتخلف عن بيوت الناس أعواماً قبل أن يخضع والدي أخيراً لضغوط العائلة فيدخل جهاز المذياع إلى بيتنا على مضض، واحتاج إلى وقت أطول لكي يغضي عن استعمالنا له لسماع الأغاني دون أن يدندن بأصوات التبرّم وذمّ الزمان الآيل إلى فساد. ولعله حين جاء بالجهاز بعد طول رد، لم يفعل ذلك استجابة للضغوط وخلاصاً من الجدال المزعج في المقام الأوّل، وإنما لأن حاجته إلى الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم ونشرات الأخبار قد غلبت أخيراً على مفاسد المذياع الأخرى. فلا عجب إذن أن يرى إلى السينما بوصفها أم المفاسد والرذائل .

وكان قد فرض على أبنائه أن يثوبوا إلى البيت قبيل دخول المساء، وذلك قبل أن نبلغ الصفوف الثانوية. والمدينة على كل حال تنام مع غروب الشمس كما وصفتها مجلة العربيّ في تحقيقها المنشور عن طولكرم عام 1963م ، وغاية ما يبلغه الساهرون انقضاء صلاة العشاء. ولما كان وقت عرض الأفلام يبدأ في وقت ما بعد العصر، فإن عرض الفيلم لا ينتهي حتى غياب الشمس على حسب طوله وعلى حسب طول أيام الفصول. فكنت أقضي الدقائق الأخيرة من الفيلم متوتراً أقلب نظري بين الشاشة وساعتي. وأنا بين الرغبة العارمة في مشاهدة الذروة الدرامية التي تأتي مع النهاية وبين الخشية من تأنيب والدي. وما كان يفعل غير التأنيب, ولكن كان له من الهيبة والسلطة المعنوية ما يجعل تأنيبه ثقيلاً يرجى اجتنابه .

ولقد ترجح الرغبة في مشاهدة نهاية الفيلم على خشية التأنيب إذا كانت درجة التشويق والإثارة عالية. فإن لم تكن رجحت كفة الميزان الأخرى، فخرجت من دار السينما قبل مشاهدة الخاتمة. وبذلك فاتني من أفلام كثيرة نهايتها. وكان على خيالي أن يشخّص الخواتيم. وربّما اضطررت في نهار اليوم التالي أن أسأل بعض رفاقي ممن شاهدوا الفيلم أن يقص علي النهاية .

وكان بعضهم أوفق من بعض في القص والتشخيص. وكان علي أن أنتظر عشرات السنين بعد ذلك ﻷستدرك ما ضيعته من تلك النهايات واللذات. وذلك حين دخلنا زمن الفضائيات التي تزاحمت فيها قنوات اﻷفلام القديمة، وجلها باﻷسود واﻷبيض. فوجدتني أقبل على مشاهدتها دون اﻷفلام العربية الجديدة بدافعين : أولهما ذلك الحنين الآسر إلى الماضي، وثانيهما استكمال مهمة بدأت ولم تنته في زمان غابر قديم. وما كانت تلك النهايات الفائتة بالتي تفاجئ أحداً أو تصدم توقعاته. فهي أشبه شيء " بالكليشيهات " الجاهزة . وما أن يمضي من الفيلم بعضه حتى يكون بوسع أقلنا خيالا أن يتنبأ بمجرى اﻷحداث بعد ذلك حتى القرارة اﻷخيرة. ولكن، لفنون السرد سحرها وجاذبيتها مهما تكن ساذجة ومكرورة .

أفلم تكن الجدة تقص علينا الحكاية الشعبية البسيطة عشرات المرات ونحن نضع رؤوسنا على ركبتها، ثم ننشدها أن تعيدها علينا مرات أخرى في أيام أخرى؟! فلا يزول السحر حتى تغادرنا الطفولة، وتمنحنا الحكمة المتراكمة والمعارف المكتسبة ما يرفع غلالة السحر عن العالم، أو يجعل مطلبه أكثر صعوبة و تعقيدًا .

حين لم يكن في وسعنا أن نذهب إلى دار السينما لنشاهد واحدا من تلك اﻷفلام، كنا نصنعه ! فكنت أخرج مع بعض رفاقي إلى سهل طولكرم، وهناك ننخرط في تمثيل قصة مرتجلة نحشد فيها من المعارك ما نتمنى أن يحشده أي فيلم حقيقي نشاهده. ولكن إدارة عملية الإخراج وتوزيع اﻷدوار وتوجيه الممثلين المشاركين وإلزامهم خطوط السرد ( وكانت كلها من عملي فضلاً عن دوري في البطولة المطلقة ! )، لم تكن بالعملية الهينة. فما إن ندخل في عملية اﻷداء والتشخيص وفقاً لتوجيهاتي الابتدائية، حتى يصبح الموقف اختبارا للقيادة و صراع الإرادات وعلاقات القوة والتدافع الاجتماعي السلوكي المضمر والمعلن على الواقع والمعاني والتأويلات والامتيازات المعنوية .

لا أحد يريد أن يموت مغلوبا ويخرج من اللعبة؛ لا أحد يريد أن يكون شريرا في عالم مثالي متخيل ينهزم فيه اﻷشرار؛ لا أحد يريد أن ينتهي دوره في منتصف الفيلم. الكل يحاول الخروج عن خطوط النص التي ارتجلها شخص واحد ( هو أنا )، الكل يحاول أن يكون شخصية رئيسة وبطلا مكافئاً .. لا أحد يرضى بدور ثانوي, فكيف أن يكون " كومبارسا "! وما هي حتى يتوتر الجو ويتحول الصراع المتخيل إلى صراع حقيقي على عناصر الصراع المتخيل وخطوطه !! وفي سياق هذا التفاعل العجيب تنكشف أنماط الشخصيات الحقيقية للمشاركين. فهذا سريع إلى الغضب الجارف والانفعال الشديد، وذاك أكثر تعقلا وحكمة وواقعيّة، وهذا يفضل هدم السقف على رؤوس الجميع وتخريب اللعبة الماتعة برمتها على أن يخضع لتوجيهات القيادة ويرضى بأقل مما فرض لنفسه. وهذا ضعيف يؤثر السلامة والاتباع على المواجهة أو تحمل التبعات. وهذا لا تتفق طموحاته الكبيرة مع مواهبه الحقيقية المتواضعة. وذاك أكثر دهاء من غيره، فيظهر القبول والتفهم ويتجنب الجدال، ثم يجد طريقة ذكية لفرض نفسه. وهكذا يتقلب الموقف بين التشخيص المتخيل والتفاوض عليه، ويصير الخيالي موضوع التفاعل الواقعي واختباره .

ومع التقلب بين هذا وذاك ، تقلب آخر بين اللهجة المصرية، وهي لهجة اﻷداء والتشخيص المتخيل، واللهجة الكرمية الفلسطينية، وهي لهجة الصراع الواقعي على فضاء الخيال والوهم .

بعد زهاء عقد ونيف، سوف يتحول شغفي بسحر الدراما وفنون السرد إلى حرفة كتابية تتنافس مع عملي أستاذاً جامعيا. وسوف يكون بوسعي أن أكتب نصوصي الدرامية التلفازية لينفذها جملة من أصحاب المواهب المحترفين إنتاجاً وإخراجا وتمثيلا، في صناعة متكاملة تقوم على التقاسم و التكامل. ولن يكون علي أن أنهض بكل المهمات و أن أدخل في تدافع متعب مع سائر المشاركين!

هل قلت : " لا تدافع " ؟ ليس هذا صحيحا. فالتدافع سنة في الفعل الاجتماعي وإن اتخذ أشكالا مختلفة. والصناعة الدرامية وإن قامت على التقاسم الوظيفي والتكامل فإنها تنطوي على قدر كبير من التدافع، بل الصراع أحيانا، بين أطرافها، وتشتغل فيها علاقات القوة مستعلنة أحيانا ومستخفية أخرى.
إنها القصة القديمة عن التوتر الطبيعي بين الفرد والجماعة. لا يستغني أحدهما عن الآخر، ويستثقل ثمن الحاجة إليه من كيانه ومصلحته وحريته ورؤيته ومواقفه وتعريفاته للأشياء. فيكون التدافع .

ولعله شرط إنساني وضرورة اجتماعية يفضي معها التدافع إلى الدفع والحراك ولو بعد حين. أما انفراد أحد الطرفين: الفرد أو الجماعة، بالسلطان، فلابد أن يفضي إلى نوع من الطغيان: طغيان الفرد، أو طغيان الجماعة التي تلغي حرية الفرد وإبداعه. فإذا وصل التدافع حد الصراع والإقصاء المتبادل، انقلب إلى ضد مآلاته، وأفضى إلى تفكك المنظومة الاجتماعية وانهيار النشاط الجمعي. وباء الجميع بالخسران حتى ينتظم أمرهم من جديد على قواعد جامعة.
إذا صحّ أن صناعة الدراما السينمائية والتلفزيونية هي - في جانب منها على اﻷقل - صناعة اﻷحلام، سواء أكانت تلك اﻷحلام هروبا من الواقع أم تقدمة لخلق واقع جديد أكثر نبلا وجمالا ، فإن عملية الصناعة نفسها أنموذج للواقع بكل ما يضمره من علاقات وشروط وأنماط إنسانية، قد يكون بعضها شديد القبح .
لم نكن ندرك هذا كله حين كنا نرتاد سينما الفريد وسينما اﻷندلس في طولكرم في تلك اﻷيام الزاهية من خمسينات القرن الماضي وستيناته، وكنا نستقبل من أعمارنا أكثر مما نستدبر.
كفى وقوفاً على دار سينما الفريد ودار سينما اﻷندلس. وﻷتابع السير في مرابع الصبا، قدما نحو قلب المدينة .

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ويا ليتني فهمتُ!

$
0
0
أمام طوفان الحياة الجارف وتلاحق السنين والأيام، عادة لا ندرك بعض الحقائق والسنن الحياتية، إلا إذا تطاول علينا الزمان وتجرأت علينا الأيام، ساعتها فقط نبدأ في الاستيعاب لنعيد بناء ما قد أطاحت به الأيام والتعامل مع المستقبل بمزيد من الاحترافية والثبات.

قد تبدو كلماتي الأولى هذه بها طيف من التشاؤم أو اليأس، لكنها تحمل الحقيقة مهما كانت نكهتها، وتجسد الواقع بصورته الحقيقية، وأنت عليك استيعاب ذلك.

انظر في عامك الماضى، أمعن النظر في أحداثه وتفاصيله، تذكَّر جيداً كم المواقف الهائلة والعلاقات الكثيرة، وضع بجانبها كلمة "يا ليتني"، وستجد أن "يا ليتني" هذه متوافقة ومتجانسة بنسبة كبيرة مع ذلك الموقف أو ذلك الفعل أو هذا الشخص.. حقاً نحن نندم أكثر مما نعمل، ومهما بلغت من درجات وحققت من إنجازات ستجد شعور الندم يلاحقك دوماً.

دعني أحدثك عن أكثر ما يؤلم الكثير من الناس، وأكثر ما يعكر صفو الأيام، دعني أحدثك عن العلاقات البشرية بمختلف أنواعها، وعن الناس بمختلف صفاتهم، وعن الناس وصراعهم الأزلى، وعن النفاق فيما بينهم، وعن الظن السيئ، وعن هذا العالم المشتعل بالصراعات، بسبب أفعال بعض البشر، بسبب عدم استيعاب وتقبل الآخر!

ويا ليتني فهمت أن أصل المشكلة لا يكمن في السلوك المتبادل، ولا الصفات الشخصية لدى كثير من الأفراد، ولكنه إعطاء البشر صفات غير بشرية، كالإلحاح في الطلب، أو طلب العون، أو الاعتماد الزائد أو العشم أو التعلق أو الخوف أو الرجاء أو الأنس.. فإن مثل هذه الصفات ليست من صفات البشر، وبالتالي لا يستقيم الحال إذا وضعنا البشر في مثل هذه المنازل.. ومن هنا بدأ الصدام، وبدأت المشاعر السلبية في الانتشار، ومن هنا كان الصراع!

ويا ليتني فهمت أن سُنة الله في كونه هي معاقبة كل من تعدَّى وأعطى للبشر صفة ليست منهم في شيء، وأن الأيام تطيح بكل الذين عاشوا في هذه الدنيا غير مدركين مثل هذه الحقائق، ولا معتدين بخطورة التعدي على مثل هذه السنن، ومن مساوئ بني الإنسان هو إدراك الحقائق بعد وقوع الفأس في الرأس، كما يقولون.

لم أكتب هذه الكلمات لأعنف القارئ الكريم، أو لأنشر بالأجواء شيئاً من الكآبة والتشاؤم، ولكن أردت من تلك الكلمات أن أتحدث عن حقيقة نعيشها، أردت أن أتكلم عن مرض قد انتشر واستشرى في أرواح الكثير، ولا أحد يتكلم عن علاجه، ولا أحد يعيره انتباهاً أصلاً.

الكل يتحدث عن العواقب فقط، والكل يشكو السوء فقط، والكل يتألم من اجتماعيات متهالكة وبشرية تأكل في بعضها البعض.

أردت من خلال هذه السطور القليلة أن تنتبه للسنن الكونية، وأن تدرك الفرق بين الرب والعبد، وأن تعرف مع مَن تتعامل في الأساس، فالرب تنتظر منه الكثير، والعبد لن يعطيك شيئاً قط.

أملي بعد هذه السطور، وأنت تضع خُطة لعامك الجديد، أن تدرك هذه الحقيقة، أن تتعلم أن لا تأنس بالبشر، وأن لا تتوكل عليهم، وأن لا ترجوهم، وأن لا تطلب العون والمدد منهم.

أملي أن تخرج من هذه الجولة البسيطة بعزم أكيد على عدم التعلق بالبشر، وعدم الأنس بالبشر.. قد يبدو هذا الأمر سهلاً في ظاهره، لكنه يحتاج الكثير من الصبر والتضحية.

أملي أن تدخل عامك الجديد بمعانٍ جديدة، أملي أن تمسح جملة "يا ليتني" من سطور حياتك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

القاعدة الذهبية للعِشرة

$
0
0
شاورتُها فوافقتُها
بسم الله أبدأ أول تدوينة لي آملاً أن أجد في رحابة الكتابة ما يتسع لما ضاق به صدري من أفكار قد يراها البعض نافعة فيتلقفها.

آخذاً بمشورة زوجتي الحبيبة لمّا لاحظَت عليّ آثار الهموم، فدعتني لإخراج ما في نفسي في صورة إبداع يعبر عما يجيش في نفسي، والله المستعان.

القاعدة الذهبية للعِشرة
اتفقت مع زوجتي الحبيبة -ونحن نقترب من إكمال عَشرتنا الأولى- أن نفصح عن القاعدة التي سرنا عليها في عِشرتنا، لعلها تكون نافعة لشاب وفتاة يتطلعان لحياة زوجية جديدة، أو لزوجين ربما يجدان في هذه القاعدة ما يحيل حياتهما إلى حياة سعيدة هانئة.

ما القاعدة؟ القاعدة هي "ليضع كل منا نفسه مكان الآخر".
ماذا؟ هذا كل ما في الأمر؟
أزعم أنه بهذه الأحرف البسيطة كفانا الله تعالى ما قد ينغص علينا عِشرتنا، ورُزقنا راحة البال، وازداد حبنا.

لماذا هي ذهبية؟
كي لا أطيل عليكم، ولأني حديث عهد بكتابة سوف نتناول مثالاً واحداً لشرح القاعدة.

مثال "دون تطبيق القاعدة": زوج عائد إلى منزله في يوم من الأيام متعباً من عمله ومن الزحام و..، فإذا به يجد زوجته لم تنتهِ من إعداد الطعام له.. يتشاجر معها مذكراً إياها بحقوقه كزوج وواجباتها كزوجة، وما يتبع هذه المشاجرة من آثار نفسية سيئة على الزوجين والأبناء، وربما أضرار مادية أيضاً.

نفس المثال "مع تطبيق القاعدة": زوج عائد إلى منزله في يوم من الأيام متعباً من عمله ومن الزحام و..، فإذا به يجد زوجته لم تنتهِ من إعداد الطعام له.. يضع نفسه مكانها، فيجدها ترضع (ابنهما) الصغير ليلاً رضاعة غير منتظمة، مما يتسبب لها في نومٍ غير مريح، ثم تصحو مبكراً لإعداد طعام الإفطار لـ(بنتيهما) سريعاً مع مراجعة جدول اليوم واللحاق بحافلة المدرسة، ثم ما تلبث أن ترتاح قليلاً حتى تستيقظ مرة أخرى لتعد إفطار زوجها قبل انطلاقه لعمله، فتسرع لسريرها لتخطف ساعة نوم قبل أن تستيقظ مرة أخرى لتقوم بغسل (ملابسنا) ثم نشرها، ثم شراء الخضار ومستلزمات الغداء حاملة (رضيعنا) قبل عودة البنتين من المدرسة.
عادت البنتان من المدرسة تبدأ معركة المذاكرة والواجب المنزلي، وربما الأنشطة المدرسية ونحو ذلك، يأتي المساء فتذهب بالرضيع والبنتين للتدريب في النادي، ثم تعود منهكة مجهدة فإذا بها تجدني أصيح فيها غاضباً من عدم الانتهاء من إعداد غدائي.. صِف نفسك صادقاً بالصفات التي تستحقها بلا كِبر واحتفظ بها لنفسك.

ما على هذا الزوج بعد تغير وجهة نظره إلا أن يطبع قُبلة حانية على جبين زوجته وأن يبدل ملابسه ويصلي العشاء، ثم يذهب فيكمل هو إعداد الطعام أو أن ينتظر راضياً مبتسماً وهو يتحدث مع بنتيه أو يمازحهما.. يقرأ القرآن أو الجرائد.. يشاهد التلفاز.. إلى آخره، ويمر الحدث بهدوء دون آثار نفسية أو عائلية سيئة، وتستمر العِشرة الطيبة.

نفس المثال ولكن من جهة الزوجة "دون تطبيق القاعدة": الزوجة تفكر طيلة الوقت في هذا الأب الأناني الذي تركها تقود سفينة حياتهما وحدها، وأنه لا يشعر بمعاناتها اليومية.. وعند عودته تنفجر فيه ألا تشعر بنا؟ ألا تفكر إلا في الطعام والنوم فقط؟ تخرج طيلة اليوم ثم تعود لتأكل وتنام في الفندق.. إلى آخره. وما يتبع هذه المشاجرة من آثار نفسية سيئة على الزوجين والأبناء، وربما أضرار مادية أيضاً.

نفس المثال "مع تطبيق القاعدة": الزوجة تجد زوجها وقد عاد متأخراً.. تضع نفسها مكانه، فتجده يتأخر في العمل ليوفر لهم معيشة كريمة ويفي بمتطلبات البيت، وهو يحمل عنها عبء توفير المال ومتابعة سداد الفواتير والديون والأقساط، وشراء ملابس الأبناء وأدواتهم الدراسية، والترتيب لرحلات الإجازة، ويساعد قدر الإمكان في أنشطة البنتين المدرسية ويحرص على مكافأتهما إذا تفوقتا، كما أنه يحتفظ بسجل طبي لكل فرد منا ويتابع تجديد اشتراك الرعاية الصحية.. صِفي نفسك صادقة بالصفات التي تستحقينها بلا كِبر واحتفظي بها لنفسك.

لندع ما لدينا من موروثات فاسدة أقل أضرارها إفساد العِشرة بين الزوجين، وتكدير الحياة العائلية، فالعلاقة الزوجية علاقة عِشرة وليست ندية.
بالطبع ليست بهذه القاعدة وحدها تجري سفينة الحياة الزوجية في بحر الحياة بأمان، ولكن هناك قواعد أخرى ذكرها أفاضلُ آخرون في غير مقال وكتاب.

وأزعم أن هذه القاعدة يتعدى نفعُها العِشرة بين الزوجين إلى كافة المعاملات في حياتنا.
ولا تنسوا "ليضع كل منا نفسه مكان الآخر".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آخر ليالي ديسمبر

$
0
0
يحل ديسمبر/كانون الأول ويحل بالناس شغف الاحتفال وشجن الشتاء.. يضفي الطقس بعضاً من الصقيع الدافئ الأفكار والذكريات.
وبالرغم من هطول المطر وما يحدثه من عبث في الشوارع، وبالرغم من العبث الموجود في الشوارع البريء منه المطر، فالكل يستعد لاقتناص أصغر الفرص للهروب، الكل يهرب، يهرب بما اقتنصه من العام الماضي، ويخطط لاقتناص المزيد، أو يهرب من ذكرى ما اقتنص منه، ويأمل في تعويض وتضميد الجراح، ويرى وميض الأمل ينير له في الاتجاه المعاكس، يرى الجانب الباسم فقط في تلك الومضة، غير مدرك أنها قد تكون إشارة للابتعاد من أمام قطار قادم لدهس أحلامه قبل أن تتشكّل.

والقطارات كثر.. وتزخرف الدماء عجلاتها جميعاً.

لا أحتفل بليلة رأس السنة ولا أعبأ بها.. لا يذكرني ديسمبر بشيء.. عدا أني أرى في كل ديسمبر يمر ذلك الازدهار الشاحب والكئيب لأشجار اليأس والركود داخلي، تلك الأشجار المتيبسة التي تنبت وسط الثلوج بدون مبرر، لكنها تنبت وتنتشر بشكل طاغٍ كخلايا السرطان في الدم، السرطان الذي أنتظره ولم يطرق بابي بعد، لا هو ولا غيره من تلك الأمراض العنيفة التي لا تترك للمريض خيارات، أعتقد أنه حتى السرطان لا يفضلني.. فأنا غير مدخن، ولست من الفئة التي يحب أن يعبث بها ذلك اللعين.

أتذوق قهوتي، وأنظر من شرفتي لعلّي أرى ما يكسر ذلك الإيقاع، وتراودني فكرة الانتحار من تلك الشرفة في ميعادها اليومي لا تتأخر يوماً ولا تغيب، رغم أنها فكرة مستحيلة التنفيذ من شخص فضولي مثلي، يحب أن يرى كيف ومن أين ستأتي النهاية -ما دام قد فضل السرطان قطيعتي- لا أن يذهب إليها.

أطرد الانتحار بسهولة لا أستطيع فعلها مع الملل..ذلك النوع من السرطانات غير المرغوب به.

ثلاثون عاماً عشتها من الملل، خصوصاً العشرة الأواخر.. بعد انطلاق أخي إلى ملاكمة الحياة لتأمين ذويه وللحفاظ على مستقبل طفله، وبعد الوفاة الهادئة لوالدينا واحداً تلو الآخر أصبحت أنا ذلك الوحيد، غريب الأطوار، حاد الطباع، الهارب والمتنصل من أصدقائه حتى ضجروا السعي خلفه.

أذهب إلى العمل متظاهراً بأنني مهندس ساع للبناء والتشييد، على الرغم من رغباتي السجينة باستخدام كل لودر وكل عامل تحت إمرتي لهدم وتحطيم كل مباني المدينة كسراً للملل وللجمود.

الجمود الذي جعلني لا أصلح للزواج لأكثر من ستة أشهر في تجربة غير قابلة للتكرار حفاظاً على الطرف الآخر.

مسكينة طليقتي، مهندسة هي الأخرى، وانجذبت إليَّ لسبب لا يعلمه إلا الله.. أشك أنه عمل سحري قد رُبطت به من قِبل إحدى الحاقدات.

ذلك السبب الذي حوَّل حياتها إلى دوامة من العبث غير قادرة هي على فهم معادلاته، حاولت جاهدة إنجاح الأمر لكن رحمة منّي قررت لها الرحيل.

بارد كهذا الشتاء، مظلم كغرفتي في عز النهار، الغرفة التي نشأت بها نواة هذا الخلل الفكري والعاطفي، بعد طلاقي عدت إليها كعودة الروح المعذبة إلى الجسد المهشم في قبره، أستخدم في الليل غرفة أخي الخاوية للنظر من شرفتها محاولاً إيجاد ما يقلل هذا الفساد النفسي داخلي.

لا تطل الشرفة على بحر إسكندرية الساحر أو حدائق بابل المعلقة، لكنها كأي شرفة في الطابق الثامن، تكشف الكثير من حولي وتجعلني في مكان أفضل لرؤية الأحداث، وتتيح لي ولأفكاري الانطلاق.

يعاتبني أخي -الأصغر بالمناسبة- على تبديد عمري في تلك الوحدة غير المفهومة، قائلاً: "لم تكن خاوياً هكذا أبداً، كنت مفعماً بالحماس ولك محاولات لا بأس بها في كثير من المجالات، ما الذي أطفأ تلك العزيمة ومن ثبّط قواك؟ مَن هذا الهش الذي أرى؟".

لا أجد إجابات لتلك الأسئلة، ولا أعلم كيف أجد إجابة، تماماً كزملائي في العمل الذين لا يجدون سيناريو منطقياً لفهم حالتي.

لكن كل ما أعلمه حقاً هو أني أنتمي لذلك الهدوء والركود الكامن بداخلي بشكل كامل، وأيضاً أنني أكره تلك الرتابة، وأتمنى لو كان الملل شخصاً لمثلت بجثته شر تمثيل.

تنتابني نوبات فطرية التكوين -فطرية أي من الفطرة والفطريات أيضاً- تدفعني إلى التجديد والبحث عن ما/من يؤنس تلك الوحدة، فأسافر كل فترة في إجازة إلى أي منطقة داخل القطر، أقضي يومين أو أكثر، باحثاً عن ذاتي، محاولاً الدخول في طور التأمل، نظراً إلى البحر أو إلى الجبال أو حتى إلى نظرات الناس لي في الحانات التي أزورها دون أن أتذوق الخمر .

نظرات توحي بأني دخيل لا أنتمي لذلك العالم..نظرات تفوح منها رائحة الحيرة والارتياب.. تلك النظرات صحيحة.. فأنا لا أنتمي لذلك العالم.

أحياناً أقاوم رغباتي الجنسية في اعتلاء إحدى الرخيصات مفرغاً لما بداخلي، وأحياناً تخور قواي، وبدون أي شعور أو عاطفة أمارس هذه الدناءة مدفوعة الأجر في صمت تام دون إجراء أي حوار من أي نوع؛ لاشمئزازي من نفسي ومن فعلي، ومن أولئك الرخيصات ومن الأسباب التي تدفع أي أنثى لعرض نفسها كسلعة تجارية في مزاد علني مشين إلى هذا الحد، ولإدراكي باشمئزازها هي الأخرى مني واعتبارها الصحيح لي كواحد من أولئك الفجرة الذين يدفعون مقابل متعتهم بإمرار أصابعهم الكاوية على جسدها دون اعتبار لرغباتها.

ترحل الفتاة وأقرر أنني لن أفعل ذلك ثانية، وأنني نادم أشد الندم، ولكن لا يمر شهر أو أكثر إلا وأعود إلى تلك الحلقة المفرغة من الرغبة والبغاء والاشمئزاز والندم.

ترتبك أفكاري عند تأمل المستقبل، وترتبك خطاي في طريق الاندماج مع الواقع والناس، وينفطر الجزء النابض البسيط المنزوي داخلي بمجرد رؤية قصة حب تضيء أعين أبطالها، ثم تباغت بقيتي البائسة بسخرية من آمال هؤلاء الهائمين تطيح بشاعرية ودفء ذلك الحب المسكر، تلك الخمر التي تجد الشتاء خير كأس لها.. فلا حميمية أكثر من ذلك الجو المغيم وتلك القرصة الباردة التي تحتاج لمن يطفئها أو يضيف إليها لمسته الخاصة.. لن يجد الحب أفضل من زخات المطر محفزة لمخازن العشق الدفين الطاهر داخل المحبين، لن يجد الحب أعظم مهابة من البرق والرعد الضاربين لجمع الأحبة في الأحضان.. من تلك اللهفة للشمس الدافئة لإذابة جليد النفس.

كيف وصلت إليَّ تلك الأحاسيس؟ ومن أين أتت؟

أدرك أنني قد ألفت تلك اللسعة الباردة للشتاء الحر الخالي من شريك، وأنني قد تأقلمت على غياب الروح من حياتي حتى في وجود شريك، وأنني قد استبدلت كل ما هو قيم بما هو خالٍ وبخس.

على الرغم من مدى قيمة تلك العزلة ونتاجها الفكري الذي طالما كان عزائي طيلة الفترة الماضية، ولكني أشعر الآن أنني بحاجة إلى إنهاء ذلك.. أشعر باشتياق إلى قبلة حارة تفوح بالحب والطهر والحياة.

بدأت اليوم وكنت أتمنى أن يكون آخر ديسمبر يمر عليَّ موجوداً في تلك الحياة، لكني قررت أنني ما زلت أريد بعضاً من الوقت حياً، أو للدقة، أريد بعضاً مِن الوقت لأحيا.

قررت أن أحتفل ولأول مرة بآخر ليالي ديسمبر، أملاً في أن يأتي الشتاء القادم بالحب لا بالسرطان.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

في نقد الحركة الثقافية الأمازيغية.. من أجل تجاوز كدمات التاريخ!

$
0
0
لقد نشأت الحركة الثقافية الأمازيغية وتطورت كرد فعل متأخر على زمن طويل من التهميش والإقصاء الذي طال المكون اللغوي والثقافي الرئيس في منطقة شمال إفريقيا، وإذا كانت لهذه اليقظة المتأخرة حسناتها، وهي التي اخترقت جدار الصمت بسرعة غير متوقعة في نظام اجتماعي وثقافي وسياسي عصيّ على الخلخلة، فإنها مع ذلك ظلت حتى اليوم رهينة جراح التاريخ، وهي تعطي الانطباع لمناهضيها على أنها تريد رد صاع الضياع صاعين، وهذا هو الخطأ الاستراتيجي والمستنقع الذي ما زالت تتخبط فيه، ولن يكون بمقدورها التحول نحو تثبيت أحقيتها التاريخية بغير الخروج من هذا المطب، إن هذا المأزق السياسوي الذي تورطت فيه بعدم فصل شقها السياسي عن الثقافي؛ لكي يناضل كل واحد منهما في حلبته الخاصة به، أمر يهدد تقدمها نحو أي اختراق حقيقي في منظومة ثقافية متصلبة ومعقدة. فتغليب السياسي على الثقافي، وإن كانا متكاملين ويدفعان ببعضهما البعض في الإطار الشمولي والنسقي العام، أمر لا يخدم التطور الذي من المفروض أن تأخذه الحركة. فالسياسي بقدر خدمته للثقافي أيما خدمة، وبقدر ما يستحيل على الثقافي الكينونة أصلاً بدون دفع السياسي ووجوده خلف، بقدر ما قد يكون الأخير سبباً في شل حركة الأول.

إن اختزال الثقافي في السياسي أو تغييبه لأن السياسي يقوم مقام الاثنين أو تأجيله إلى أن ينهي السياسي مهامه التاريخية في التغيير، لخطأ استراتيجي جسيم ترتكبه الحركة الأمازيغية اليوم.

وإذ يهمني الشق اللساني والثقافي، أترك لرفاق آخرين الدلو بدلوهم في الشق السياسي أخذاً بعين الاعتبار الأمور السالفة الذكر.

إن قطع الوعد بإحياء لغة وثقافة ضاربة في أعماق التاريخ كابدت لتصل إلينا -لحسن حظ البشرية - يلزمنا بالأخذ بيدها نحو بر الأمان وهي المنهكة بعوامل الزمن وكدمات التاريخ.

لقد خرجت إلينا وهي تحمل جروحاً ورضوضاً يصعب على جراح تجميل لوحده أن يخفيها، لقد تعرضت هذه الثقافة لكل أنواع التنكيل والإقصاء، لقد عاشت في سجن كبير لقرون عديدة حتى أضحت لا تعرف شيئاً عن العالم الواقع خارج أسوار سجنها، فهذا العالم غريب عنها كما هي غريبة عنه، وهذا ليس شأنها في شيء، فهو عيب من قالوا إنهم مثقفون من صلبها، فكيف للغة يتحدثها على الأقل 30 مليون شخص إلى اليوم، رغم الحصار والانحسار الثقافيين، أن يجهل عنها العالم كل شيء.

إنه خطؤنا كما هو خطأ العالم أجمع، فعندما نسمع بسياسات لحماية لغات، يتحدث بها بضع عشرات، من الانقراض، نسائل أنفسنا كما نسائل العالم عن موقع اللغة الأمازيغية في الخارطة اللسانية والثقافية الكونية، وإذ نساند جميع اللغات المهددة ولغات الأقليات على المستوى الكوني، فإننا نبدأ من عقر الدار أولاً.

إنه بدون رؤية ثقافية نسقية وشمولية لمسألة النهوض الثقافي الأمازيغي، لا يمكننا تجاوز مأزقنا الثقافي في أي زمن منظور.

أستحضر هنا مساهمات مايكل كرونين، اللساني والمترجم وعالم الدراسات الترجمية والمناضل الثقافي، من أجل الحفاظ على اللغة الأيرلندية في مقاومتها لهيمنة اللغة والثقافة الإنكليزية عندما يقول: "يجب على لغة الأقلية أن تتطور لخدمة جميع مناحي الحياة وليس فقط للتخفيف عن الأنا الجريحة من الخسارة والضياع التاريخيين"، إننا اليوم أمام مسؤوليات تاريخية تستلزم منا اتخاذ قرارات جريئة وإجرائية حتى نتجاوز مرحلة النحيب وننطلق في مرحلة البناء الثقافي الشامل.

وددت لو لم أكن ملزماً بالدخول في نقاش الحرف المعتمد "ثيفيناغ"، لكن نقاشه أمر لا بد منه إذا أردنا أن نبحث إشكالاتنا الحقيقية ونقوم بتحييدها في طريقنا نحو الخروج من نفق الانتقال من الاعتماد إلى التعميم، أو إعادة الأمزغة، كما أحب أن أسميها، وكم يحس كل أمازيغي بالاعتزاز بالانتماء لذلك الخط الأمازيغي الأصيل ثيفيناغ، فهو يعبر عن التفرد الهوياتي الأمازيغي الضارب في أعماق التاريخ، وكم كنت شخصياً من أشرس المناصرين لاعتماده، لكن الأسئلة المؤرقة التي تطرح نفسها اليوم بإلحاح؛ هل نحن مستعدون للتضحية ببضع سنين أخرى حتى ينمو الطفل (ثيفيناغ) المنبعث من رماده لكي نبدأ التغيير الحقيقي؟ ألا يخيفنا هاجس الردة على مكتسب أخذ منا وقتاً من الزمن؟ ألا نريد أن نعيش لحظة التاريخ وهي تكتب أمام أعيننا ونغادر من هنا ونحن مرتاحي البال بعودة ثقافتنا؟ ألا نخاف من التحديات الإقليمية والدولية وقدوم سيول الهيمنة الإنكليزية والعولمة الثقافية التي لا تُبقي ولا تذر، وقد نكون أسهل ضحاياها ونخلف بذلك وعدنا مع التاريخ؟ أليس من العقل التضحية المرحلية بشيء من أجل أشياء؟ وأن يعز علينا قول هذا، فإن البراغماتية تفرض علينا القيام بتضحيات مؤلمة حتى لا نسقط في شرك الجمود حتى قبل أن نبدأ، وهو مراد اللاعبين الإقصائيين. يفترض فينا أن نظل يقظين حتى لا نمضي حياتنا نتلذذ بطعم المصيدة، أي نعم، نقول باستيراد الحرف اللاتيني تكتيكاً مرحلياً حتى نثبت على أقدامنا ونراكم التجربة وننضج ثقافياً، وأعني بالنضج الثقافي المراكمة في جميع المجالات ومن الجميع، والمرحلة الأولى هي الانخراط الجدي للسانيين في التسريع بعملية التقعيد والتوحيد.

بعد هذا ننطلق في مشروع ترجمي شامل وهائل من أفلاطون إلى فوكو، إلى الآداب والعلوم الحديثة والتكنولوجيا حتى نشبع جوع ثقافتنا، أو بالأحرى تجويعها لقرون طويلة، لكي نغنيها ونعبر بها إلى بر الأمان.

ونحن نتعلم من التاريخ، ماذا كانت اللغة الألمانية ليس ببعيد، في بداية القرن التاسع عشر؟ لقد قالها شلايرماخر، المتخصص في علم التأويل، واستمع إليه الألمان وفعلوها.

اللغة الألمانية في ذلك الوقت لم تكن سوى لغة عامية "لا تصلح وعاء للفكر" كما يحب عديمو الاختصاص اللساني وذوو القصور المعرفي والفكري القول.

لقد دخلت ألمانيا في مشروع ترجمي هائل بوَّأها المكانة التي هي فيها اليوم، وفي هذه الرؤية التي نطرحها حول الأمازيغية، لا نبدع شيئاً، ولكن نستلهم أفكارنا من غيرنا، من تجارب تاريخية شبيهة بوضعية اللغة الأمازيغية اليوم.

كذلك نعتقد بضرورة انصراف الفاعلين اللسانيين والثقافيين إلى العمل الجاد والمضني بعيداً عن الضوضاء والمعارك الجانبية التي لا تخدم الحقل الثقافي في شيء.

إن الفعل الثقافي الحقيقي يستوجب انخراطاً مسؤولاً من الجميع في الإنتاج بدل الكلام والتصريحات التي تبكي على أطلال الفرص التاريخية الضائعة، إننا نستلهم العبر من التاريخ دون أن نسقط في شرك التلذذ بآلامه.

وللأسف ما نحن متورطون فيه اليوم في الحركة الأمازيغية هو البكاء على التيه والضياع التاريخيين، أي نعم هناك بروباغندا مغذاة بالجهل والتخلف وهناك مقاومة للتغيير، لكن نتركها للسياسي كي يتكفل بمجابهتها وردها، وينصرف الثقافي لإنجاز مهامه التاريخية الكبرى.

لست أفلاطونياً يعتقد بالمدينة الفاضلة، وأعلم أن التحديات جسام، لكن الواقعية العلمية، في تقديري، لا تجانب تصورنا وطرحنا، ولنترك العدمية والتشكيك المسبق في النوايا جانباً، ولو لفترة، ونقوم بطرح هذه الرؤية لنختبر نيات أهل الحل والعقد أولاً، آنذاك نكون قد وضعنا كلاً أمام مسؤولياته.

أعود إلى مايكل كرونين هنا كي أوضح أن الرغبة في حضور الأمازيغية في جميع المجالات المعرفية ورفض التموقع في غيتو ثقافي "ايكزوتيكي" معزول يستوجب التفكير عميقاً في أهمية الترجمة في إعادة التشكيل الهوياتي والثقافي، وذلك بهدف التمكن من آليات الوجود الثقافي الحقيقي على جميع المستويات والأصعدة.

لقد حان الوقت للمرور نحو نقط التقاطع مع ما وصلت إليه البشرية اليوم في جميع الحقول المعرفية، وهذا هو المدخل الوحيد في نظرنا نحو الارتقاء الهوياتي الحقيقي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وطن

$
0
0
وطن.. ليست مجرد كلمة تحوي ثلاثة أحرف، يقولون إنه من الصعب تفسير هذه الكلمة وتلك الأحرف التي تمتلك أزماناً وعصوراً تحملها عقول أصحابها في بضعة سطور أو حتى كل المجلدات.
يقولون إن تلك الكلمة هي أول شهقات الحياة قبل الميلاد.. يقولون إنها الهوى الذي يصنع كيانك برسم ملامحك وهيئتك وعنوانك الذي منه تبدأ روحك وتنتهي.


الوطن.. هو حبيب تلقي عليه همومك وآلامك فيحملها عنك ويهديك سلاماً وحناناً وشمساً وهواء.. وأم.. فهو خير مثال عن الأم ما مثله مثيل.. ويقولون ويقولون.

يقول محمود درويش:
حينما تسأل ما معنى كلمة وطن؟
سيقولون: هو البيت، وشجرة التوت، وقن الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز والسماء الأولى.
تسأل حينها: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات، وتضيق بنا؟


اعلم صديقي الحبيب.. أن وصف الوطن ليس سهلاً، وليس مصطلحاً مجازياً أو فعلياً يمكن اجتيازه لغوياً لتعريف مسقط للنشأة أو مكان للإقامة، فالوطن ليس هو الأرض والخبز والحدود، والوطن ليس في أنظمة الدولة ولا سياساتها.

الوطن.. هو شعبه ونبضه فيهم، هو هوية الإنسان ووجوده ومعاناته وأحلامه وذكرياته وحزنه وفرحه، هو سجل مرور كل لحظات حياتك.

الوطن.. هو روح من يسكنونه ويعيشون فيه.. أن تحاول أن تصف الوطن كأن تحاول بلسان حالك وصف الروح التي عجز عن إدراك طيفها كل البشر ولن يستطيعوا.


هل لأنظمة الدولة روح؟!
كيف يحاول إنسان حباه الله عقلاً وفهماً وعلماً يغمره الحب والحنين أن يختزل الوطن في بلاد تحركها الأنظمة ويهمّش فيها شعبها وتصبح مجرد دولة جغرافية سياسية لأصحاب الكراسي مثل مثيلاتها من بلاد الأرض؟!


تولد في الوطن فترى أشياء مفروضة عليك رغم أنفك تكون مجبراً عليها ويجب عليك أن تتأقلم على العيش بها كالمرض يلازمك حتى الموت ليس له دواء.
وحينما تفكر في إيجاد الدواء يضعك الوطن داخل القفص حتى يقضي عليك بين جدرانه.



الحرية في وطني
عروس مات عريسها في ليلة الزفاف، في ليلة كان المفترض فيها بناء بيت على الحب والوفاء.

في وطني باتت أخبار الموت في شوارع بلادي أكثر من أخبار الحياة.
حتى كدت أخاف من ذلك الصباح الذي سيحمل اسمي بين شهادات وفاتهم قبل أن أعرف معنى الانتماء لوطن صحيح ليس به كسور أو شظايا فناء!
ترى هل الوطن الذي يدفع الناس أرواحهم ثمناً لأجله كل يوم يستحق كل تلك المعاناة بالفعل؟!
هل هو وطن حقيقي إلى درجة أنه أغلى ثمناً من الذين يتطايرون شهداء فوق ترابه؟!


نحن في وطننا لا نشعر حتى بحق المواطنة.. في هذا الوطن لا نجد أقل حقوقنا، لا نملك حق الاعتراض على ما نرفضه من سياسات وقوانين تؤذي وجودنا، نُباد ونهان وتسيل منا الدماء على موائد السياسات الكبرى والأنظمة المتسلطة الكارهة لحقوق الوطن قبل حقوق مواطنيه.

والشوارع ليست لنا كما نتوهم بين جنبات أنفسنا في الأغنيات الوطنية الدافئة التي تملأ القلوب عشقاً ممزوجاً بحنين تحمله الروح في أعماق طيفها الدافئ، فحتى حريتنا في الشوارع أصبح لها حدود!
إنها بلا أدنى شك حرية مقننة كي تخدم كل من امتلك بين يديه بساط الدنيا الزائل.


نحن في وطننا لا نملك حتى بيوتنا!
في الأنظمة الجديدة يفني المواطن عمره في ادخار فتات المال من عرقه وضنك حياته ليستطيع شراء منزل وبناء أسرة كي تستقيم الحياة وينجب الوطن من يحمل شروق شمسه في كل جيل، ثم تأتي الحكومات بكل بساطة وتدكه على ما فيه.
لماذا؟!
لا ضرورة للمبرر؛ لأنه هو النظام ذاته وليس من يسيره،
وهنا يكمن السؤال الذي لا يغادر فؤاد كل مواطن قبل عقله في كل لحظات حياته متحدثاً بذلك السؤال مع ذاته بنبرات الهمس الخافت وهو يعلم جيداً الإجابة قبل أن يسأل.
أين يذهب المواطن وأهله؟!
- لا يهم.
من يدفع له مقابل منزله المحطم؟!
- لا يهم.
من يعوضه عن شقاء عمره الضائع في امتلاك جدران هذا البيت؟!
- لا يهم.

ليس في الوطن الجديد الذى يريدون صنعه لنا ما نحب، ليس لنا فيه نبض الحياة ولا همسات الروح ولا غناء الشوق ألحان الحنين بين جدرانه وعتبات بيته وطرقاته التي تسطع منها أكاليل روح الوطن.

نحن في وطننا يتكرر مسلسل إبادتنا كل يوم، وبكل الطرق، في السجون والتعذيب والترهيب تارة، وأمام الأسلحة تارة، وداخل أكاذيب مخنثي الفكر والإعلام تارة، وتحت أنقاض المهدمات التي تحمل بين طياتها تاريخ حياة أزمنة وعصور تارة، وبالرصاص تارة، وبالجوع تارة، وبالإهمال، وتعمد الجهل داخل أرواح عقول الشباب تارة، وبانقطاع الماء والكهرباء والغذاء وأولويات الحياة تارة، وسلب الدين تارة بعد تارة.. لماذا؟!
حتى يصير الوطن حظيرة كبرى نكون فيها كالبهائم التي تساق كي تأكل ثم تنام لا غير.

والحرية صارت حلما نتمناه واقعاً بين دموع الوطن، صرنا لا نملك بين زخات مطر الحرية على وطننا الموت الشريف، الإنساني.. المكرم لنا.
وفى وطني المحسوب على خريطة الإنسانية وطناً.. يذهب المواطن إلى المشفى لا لتشرق شمس الحياة بين دماء جسده المختلط بتراب وطنه الحبيب لا لا.
إذا كانت الإجابة لا فلمَ يذهب إلى هناك؟!.. ببساطة يذهب إلى هناك كي يموت، نعم يموت، ولكن بسلام.
فربما يمنحه مخدر أصحاب المناصب بعض الوهم بالراحة أو تخفف عناية وطنه الذي يحبه ويعشق ذرات ترابه آلام قلبه العاشق المتيم به رغم توالي طعنات وطنه له رغماً عنه بسحائب أمطار الدموع المشفقة على حالها وعلى فلذة كبدها في أنفاسه الأخيرة يتجرع كأس العلقم ليفتديها بروحه من شفير الموت على لسان حال قلبه بينه وبين وطنه الحبيب.

لكنهم يقولون له إن الطبيب مشغول، أو إن الأماكن شاغرة الآن ولا مكان لك؛ لذا عليك أن تموت في وقت لاحق، أو أن تجد لنفسك حيزاً بالخارج لتتألم فيه بحرية بدون إزعاجنا.. شكراً لك عزيزي المواطن.


نحن أبناء هذا الوطن، الذي أصبح الموت فيه سلاماً وعلى نحو طبيعي فيه إنجازاً لا يستهان به، ينبغي أن تعرف قبل أن تنزل بقدميك شوارع وطنك المسلوب -أيها المواطن- أن الوطن لا يستحق الشهادة بعد أن يُختزل في دولة، لكنك أنت من يستحق الأجر على ذلك السعي أو بحاجة إليه.


نحن لا نملك وطناً حتى نشعر بالتقصير تجاهه، أين هذا الوطن الذي لا نشعر فيه بوجودنا وأبسط حقوقنا للحياة؟! الوطن الذي يقمعنا، كأن دستوره وقوانينه شرعت ضدنا، وليس من أجلنا.

نحن لا نملك وطناً على الإطلاق، نحن فقط ننتمي للمكان الذي لا نملك سواه لنأوي إليه، ونمارس حياتنا ببعض الكرامة، وربما هناك خطأ آخر في تلك العبارة.. ننتمي؟!
هناك فارق كبير، بمسافة عالمين، بين الانتماء والتواجد.

نحن لا ننتمي لهذا الوطن، نحن نتواجد هنا فقط، ونحن هنا فقط لأننا لا نمتلك وطناً آخر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

داعش منهاج على خلاف النبوة

$
0
0
الخيال مطيَّة العاجزين، والأحلام جنة المتقاعسين، وليس على الكسول العجول إلا أن يغمض عينيه ويبني قلاعاً من الرخام على بساطٍ من الغمام.
لم يكن الدون كيشوت دي لامنشا يشعر بالأسف على الزمان الذي يقضيه منهمكاً في محاربة طواحين الهواء أو قطيعٍ من الأغنام يثير غباراً ليحمي الحياة البشرية ويعيد دور الفرسان الجوالين البائدين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الأرض ويخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين، لم يكن يعلم أنه مصابٌ بمرضٍ نفسي، ولم يكن يعلم أن طواحين الهواء أصلاً مفيدة لا ضارة، ولم يكن يدرك طبيعة عدوه أصلاً رغم سمو أهدافه ونبل بغيته.

يذكرني الدون كيشوت برجل أضاع قطعة نقدية في الشارع المظلم، فذهب ليبحث عنها تحت المصباح على الرصيف، وما فطن أن يبحث في المكان الصحيح لا المكان المريح.
لكن.. بماذا يختلف القائد الداعشي -الذي يستعدي كل الأرض ويستدعي جيوش الأمم كلها- عن الدون كيشوت؟ وبماذا يختلف أتباع الدواعش عن سانشو بانزا الذي فاوضه دون كيشوت على أن يكون تابعاً له وحاملاً لشعاره، ووعده بأن يجعله حاكماً على إحدى الجزر حين يفتح الله عليه، فصدَّقه ووضع خرجه على حماره وسار خلف سيده الجديد.

ما الفرق بين أن تذبح قومك بسكين وأن تحارب طاحونة برمح؟ ما الفرق بين أن تحارب قطيعاً من الأغنام أو أن تسوق قومك للذبح كالأغنام؟
من حيث الجنون لا فرق، لكن الفرق في النتيجة.

لا أجزم، ولكني مقتنع بشكل أو بآخر أن الفكر الداعشي هو خليط بين السيكوباتية السادية وجنون العظمة والهوس الباروني، وليست ابناً شرعياً لأي فرقة دينية ولا فكرة حزبية.

إن العقل الجمعي كان جديراً أن ينتج لنا بيئات كاملة تتبنى الداعشية أو قرى أو أسراً على الأقل، لكننا حتى في معقل داعش لا نكاد نجد تلك المجموعات المخدرة التي تسلم نفسها للحكم الداعشي العاضّ.

أعوام من القمع والتهميش ورفع البنادق لم تكن كافية لزج شريحة كبيرة من الناس في أتون الغلو، فلما جاء الغلاة بحكمهم القهري وملكهم الجبري وجبروت الملك الذي يحاولون إظهاره لم يستطيعوا أن يقنعوا عوام الناس بأنها خلافة راشدة على منهاج النبوة.

إن الصورة الوردية التي رسموها في قلوبهم للجناب العالي لكلمة خلافة يرتطم بداعش السوداء البغيضة، فلا هم وجدوا فيها علم أبي بكر، ولا عدل عمر، ولا حكمة عثمان، ولا كرامة علي، ولا رأفة عمر بن عبد العزيز.

فأي رشد في سَوق الناس إلى المسالخ كالأغنام وتصوير الجرائم ونشرها على الإنترنت والإعلام؟ أي رشد في دولة تذبح شعبها ونيران تحرق أهلها؟ أي رشد في ازدراء وتسفيه كل ما خلق الله سوى أنهم يزكون أنفسهم؟ أي رشد في التفنن في القتل والاستمتاع بالتعذيب والتخريب؟ أي رشد في إعادة تمثيل كل جرائم البشرية فلم يبقَ لداعش إلا أن تحرق من ترميهم بالردة في أخدود أو أن ترمي كتب المخالفين في نهر الفرات ليصبح أسود من لون الحبر؟

إن المعذب حين يعذب ضحيته هو أمام مرضَين وهوسَين؛ الأول أنه سادي تحدثه نفسه أن القتل سبيله الوحيد للحياة، والفوضى هي التي تخلق التنظيم والتفجير سبيلاً للتنوير.

والمرض الآخر أنه لا يؤمن في قرارة نفسه بيوم الحساب، فهو يأخذ حقه بيده، ويعذب بالنار من يتخيل أنه عذبه، أو نال من كرامته أو نال من رموزه القبيحة؛ بل يتجاوزون ذلك حين يقتلون بالشبهة، ويقولون نحن نقتل والله يحاسب، والقتل إن شُرّع فإن التعذيب لم تشرعه إلا السادية، ولم ينتهجه إلا الحشاشون ومحاكم التفتيش.

إن عامة الناس الذين ضربتهم الأحداث في سوريا ضربة قوية على أم رؤوسهم ثم تابعت عليهم اللطم والركل من كل الجهات، كلما فتحوا باباً سدَّه العالم في وجههم خلال خمس سنوات من الضياع والقتل والنزوح والتشريد، هؤلاء الناس بلا شك قد جنحوا من مطالب الحرية والعدالة والمساواة والتنمية إلى مطالب تتأرجح بين الثأر والانتقام واستئصال الآخر أو إقامة المدينة الفاضلة.

فكرة إقامة دولة عابرة للحدود تحكم تياراً عريضاً من العامة لم تنفك عن فكر الجماعات الراديكالية يوماً، لكنهم يتخبطون استراتيجياً، فبين من يجعل فتح العالم هدفاً بعيد المدى بعد سنوات من الإعداد والجهاد، ومن يجعله هدفاً استراتيجياً فيتوجه بسكين لفتح روما وهو لا يستطيع إدخال رغيف من الخبز إلى دوما.

كل ما سبق هو تفكير نمطي اعتدنا عليه في القرن الماضي، لكن التقليعة الجديدة ليست جعل الغايات أو الأهداف خُططاً استراتيجية أو لوائح تنفيذية.

التفكير الجديد هو نسف كل ما سبق، والاعتماد على التكفير والتفجير والفوضى الخلاقة لإقامة مدينة فاضلة لنخبة من الناس فقط.

إن الناس المتشوقين للدولة العادلة حين يصطدمون بما سموه الدولة الإسلامية (داعش) يهربون في تفسيراتهم إما إلى الأمام أو الخلف، وهو أيضاً نوع من الخيال الذي افتتحت به المقال.

الهاربون إلى الخلف ساقوا كل الأحاديث والروايات التي جاءت عن الخوارج والغلاة، وقالوا ببساطة إن داعش دولة خوارج رموها بذلك واستراحوا، وهم وإن أصابوا شيئاً من الحقيقة إلا أنهم أصابوا عضواً بعيداً عن الكبد، فلقائل أن يسألهم عن صلاة داعش وقراءتهم وعبادتهم وعن استدلالات داعش وأدبياتهم؛ ليتبين أن للخوارج أخلاقاً لا يحسنها الدواعش.

أما الهاربون إلى الأمام فقد سافروا بخيالهم إلى آخر الزمان، وجلسوا في بيوتهم ينتظرون خروج الدجال ونزول ابن مريم عليه السلام، وفسروا كثرة الحروب والخسف والهرج بأنها إرهاص بالقيامة، وما نظروا جيداً في التاريخ؛ ليعلموا أن ما يجري في الشام ما هو إلا صفحة من كتاب ومعركة من حرب وبيت في قصيدة.

وإن أجمع الطرفان على أن داعش منهاج على خلاف النبوة، فربما كثير من الناس لم يدركوا بعد أن داعش خلافة على منهاج الدون كيشوت، أو على منهاج دراكولا.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

انخفاض أسهم تويوتا بعد تهديد ترامب لها.. هكذا سينتقم الرئيس الأميركي الجديد من أكبر شركة للسيارات بالعالم

$
0
0
سجلت أسهم شركة تويوتا انخفاضاً، الجمعة 6 يناير/كانون الثاني 2017، بعد أن هدد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، المجموعة اليابانية المصنعة للسيارات بفرض ضرائب عليها في حال نفذت خطتها ببناء مصنع جديد للسيارات في المكسيك، ما استدعى اعتراضاً من الحكومة اليابانية.

وسجلت أسهم تويوتا انخفاضاً بنسبة 3.11% عند بدء التداول، إلا أنها قلصت الخسائر لاحقاً لتغلق بانخفاض 1.68%، ليصل سعر السهم إلى 6930 يناً.

وتويوتا آخر المجموعات الصناعية التي تلقت تهديدات من ترامب الذي يتولى الرئاسة في 20 يناير، حيث كتب في تغريدة الخميس: "قالت تويوتا موتور إنها ستبنى مصنعاً جديداً في باخا بالمكسيك لإنتاج سيارات كورولا للولايات المتحدة. مستحيل! ابنوا المصنع في الولايات المتحدة أو ادفعوا ضريبة حدودية كبيرة".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، احتفلت تويوتا، أكبر شركة لتصنيع السيارات في العالم، بوضع حجر الأساس لمصنع بتكلفة مليار دولار في غواناخواتو وسط المكسيك، وليس في باخا المحاذية لكاليفورنيا، كما قال ترامب.

وعقب تغريدة ترامب، أصدرت الشركة بياناً قالت فيه إنها تتطلع إلى "التعاون مع إدارة ترامب"؛ لخدمة مصالح قطاع صناعة السيارات والمستهلكين.

وقالت في البيان إن "حجم الإنتاج أو التوظيف في الولايات المتحدة لن ينخفض نتيجة مصنعنا الجديد في غواناخواتو بالمكسيك المعلن عنه في أبريل/نيسان 2015".

وتوظف الشركة 136 ألف أميركي، ولها 10 مرافق إنتاج في الولايات المتحدة.

من ناحيته، قال وزير التجارة الياباني هيروشيغي سيكو، إن قطاع صناعة السيارات الياباني "أسهم في خلق 1.5 مليون وظيفة في الولايات المتحدة".

وأكد سيكو في تصريحاته للصحفيين ضرورة أن تفهم الإدارة الأميركية الجديدة أن قطاع صناعة السيارات الياباني "أسهم بشكل كبير في الاقتصاد الأميركي".

وتعهد ترامب بإعادة وظائف قطاع السيارات إلى أميركا ووعد بالتصدي لممارسات التجارة غير العادلة، التي قال إنها تضر ببلاده.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ألغت شركة فورد الأميركية لصناعة السيارات خططاً لبناء مصنع جديد في المكسيك عقب انتقادات ترامب، وذلك بعد ساعات من مهاجمته شركة جنرال موتورز لاستيرادها سيارات صُنعت في المكسيك.


البنوك الإسلامية لأول مرة في المغرب حديث المواطنين.. وهذا ما يميزها عن غيرها

$
0
0
تفاوتت ردود فعل المغاربة تجاه تطبيق القرار الخاص بإنشاء البنوك ذات المعاملات الإسلامية لأول مرة في تاريخ المغرب.

ففي حين رأى خبراء اقتصاديون أن هذا القرار سيفتح آفاقاً جديدة لنمو الاقتصاد المغربي، اختلف المواطنون حول تقبّلهم للأمر، بين مؤيد ومعارض.

فبعد سنوات من الانتظار، أعطى المغرب أخيراً الضوء الأخضر لإنشاء البنوك الإسلامية، ما سيتيح استكمال وتعزيز العرض للمنتجات التي يقدّمها القطاع البنكي المغربي وضمان انفتاحه على سبل أخرى للتمويل.

وكانت لجنة مؤسسات الائتمان، المكونة من ممثلين عن بنك المغرب (البنك المركزي) والوزارة المكلفة المالية، أصدرت قراراً بقبول إنشاء 5 بنوك تشاركية (معاملات إسلامية) ورخصت لـ3 بنوك بتقديم منتجات تشاركية لزبائنها.

المراقبون يتوقعون أن تفتح هذه البنوك أو الخدمات التشاركية المجال أمام عدد كبير من الزبائن الذين يتحفّظون على التعامل مع البنوك التقليدية.




تعزيز العرض




في بيان لها صدر الإثنين 2 يناير/كانون الثاني، أوضحت لجنة مؤسسات الائتمان أنها أصدرت رأياً بقبول الطلبات المقدمة من أجل إحداث بنوك تشاركية من طرف كل من "القرض العقاري والسياحي" بشراكة مع بنك قطر الدولي الإسلامي، والبنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا بشراكة مع المجموعة السعودية البحرينية (دلة البركة).

كما تم قبول الطلبات المقدمة من أجل إحداث بنوك تشاركية من طرف "البنك الشعبي المركزي" مع المجموعة السعودية "غايدنس" (شركة مالية متخصصة في التمويل العقاري)، والقرض الفلاحي للمغرب بشراكة مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، و"التجاري وفا بنك" (مع الإشارة إلى أن هذا البنك لا يزال يجري مناقشات بشأن شراكة مستقبلية).

وأشار البلاغ إلى أن اللجنة أصدرت كذلك قرارها بالترخيص للبنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب والشركة العامة؛ قصد تقديم منتجات بنكية تشاركية لزبائنها.

بهذا القرار، استطاعت لجنة مؤسسات الائتمان، أن تضع حداً لسجال دام سنوات حول "اتهامات متبادلة بشأن عرقلة جهات معينة انطلاق البنوك أو المعاملات الإسلامية في المغرب".






البنوك التشاركية.. الإعداد أولاً




ويرى عبد السلام بلاجي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة محمد الخامس والخبير في المالية الإسلامية، أن البنوك التشاركية في المغرب "بدأت في العمل منذ يناير 2015؛ أي منذ صدور القانون، ومن ثم لا علاقة بين إصدار لجنة مؤسسات الائتمان رأيها بقبولها للبنوك والمنتجات التشاركية بفترة الفراغ الحكومي الحاصل اليوم في المغرب".


ولتوضيح هذا الرأي أكثر، قال الخبير في المالية الإسلامية إن "التهيئة للبنوك التشاركية استغرقت كل هذه الفترة، بعد أن تبيّن أن هناك أشياء أخرى تحتاج إلى إعداد؛ لكي تخرج البنوك التشاركية في أحسن حال، خاصة فيما يتعلق بالجوانب التشريعة".

وأضاف عبد السلام بلاجي، في حديث لـ"هافينغتون بوست عربي"، أنه فعلاً كان هناك "تخوف من إخراج شيء لم تكتمل صورته بعد، لذلك حاولت التجربة المغربية أن تعوّض التأخير بالاستفادة من تجارب أخرى وصلت إلى 40 عاماً من الاشتغال والعراقيل التي واجهتها".

لذلك، فالخبراء الدوليون، "باطلاعهم على التجربة المغربية في البنوك التشاركية، وجدوا فيها بصمة الاستفادة من التجارب السابقة، وهو ما يعني أن الجانب التشريعي للتجربة المغربية الجديدة ممتاز جداً، على أمل أن يكون التطبيق بالجودة نفسها"، يشدد المصدر ذاته.

وأضاف أنه يجب الانتباه إلى أن المغرب بدأ منذ سنوات بتهيئة الموارد البشرية المتخصصة لهذا الغرض، "تخرج من جامعات مغربية كثيرة، العديد من الأطر العليا المتخصصة في مجال المالية الإسلامية، وساهمت أيضاً معاهد خاصة في إحداث تكوينات في المجال، زيادة على أن الأبناء التي تقدّمت بطلبات إحداث منتوجات تشاركية، هيأت نفسها منذ صدور القانون في السنتين الماضيتين واستقطبت أطراً جديدة، أو قامت بإعادة تكوين أطرها في مجال المعاملات المالية التشاركية".




البنوك التشاركية.. شريك مصاحب




هذه المعاملات المالية الجديدة في المغرب قد تدفع إلى التساؤل في البداية عن اختلافها عن المعاملات المالية الكلاسيكية التي تعوّدها الزبون أو المستثمر في البلد، زيادة على ما يمكنها إضافته للمواطن المغربي واقتصاد بلده بشكل عام.

يؤكد عبد السلام بلاجي، الخبير في المالية الإسلامية، أن "هناك فروقاً جوهرية بين البنوك التقليدية والبنوك التشاركية".

فالبنوك التقليدية عمرها 450 عاماً ولديها عقد واحد هو عقد القرض بالفائدة، في حين أن البنوك الإسلامية عمرها 40 عاماً فقط ولديها نحو 16 عقداً (المغرب أخذ منها 6 عقود فقط ليس حولها خلاف)، وما زال هناك إمكانية ابتكار عقود أخرى من الفقه الإسلامي.

ثم إن البنوك الكلاسيكية تعطي قروضاً بفائدة، في حين البنوك التشاركية تدخل كشريك مصاحب لصاحب المشروع أو الزبون إلى أن ينجز مشروعه، وتستمر معه، وتتحمل معه جميع المخاطر إذا وقعت وجميع الأرباح إذا تحققت.

لهذا، "تتوقع مؤسسات دولية مهتمة أن تجتذب هذه البنوك التشاركية خلال سنتين أو 3 سنوات، رؤوس أموال مهمة جداً، يقدّرها البعض ما بين 8 إلى 9 مليارات دولار، وهو ما يشكل نحو 10% من الرواج البنكي في المغرب"، يردف عبد السلام بلاجي.

ويضيف: "إذا تحقق هذا الأمر في هذه الفترة، فسيكون رقماً قياسياً في العالم، سيكون له بالتأكيد تأثير على تعبئة الادخار؛ ونحن نعرف من الناحية الاقتصادية أن كل تعبئة ادخارات جديدة يكون لها تأثير مباشر على تعبئة الاستثمارات وكل تعبئة للاستثمارات سيكون لها تأثير مباشر أيضاً على التشغيل وفرص التوظيف الجديدة، بالإضافة إلى إنعاش ما نسميه اقتصاديات الأسر أو الاقتصاد الاجتماعي".




المعاملات التشاركية.. ردود فعل متباينة




رغم أن البنك المركزي اختار اسم "البنك التشاركي"، وتخلى عن الاسم المتداول في بعض الدول الإسلامية "بنك إسلامي"، فإن إعطاء الضوء لهذه المعاملات الجديدة في المغرب لقي ردود فعل مختلفة من طرف المواطنين.

فهذه المعاملات المالية الجديدة، القائمة على مبدأ التشارك بين البنك والزبون، لم تسلم من سخرية بعض الناشطين على الشبكات الاجتماعية.








لكن هذه البنوك، بمعاملاتها "الإسلامية"، التي ستشمل منتجاتها وخدماتها قطاعات اقتصادية وعقارية وسياحية وصحية وتعليمية، أكيد أنها ستلقى ترحيباً من بعض المواطنين، كما هو شأن عبد الحكيم المرابط (مسؤول في وزارة الاتصال)، الذي يعتبرها "خياراً جديداً أمام المواطنين المغاربة الرافضين للتعامل مع البنوك التقليدية، بحكم الخدمات البديلة التي ستقدمها".

وأضاف عبد الحكيم، في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن البنوك التشاركية ربما ستعرف النجاح بحكم الشريحة الواسعة من المواطنين التي تفضل التعامل مع هذا النوع الجديد من البنوك بغض النظر عن تكلفة منتجاتها وخدماتها.

من جانبها، ترى أسماء محمد (مستخدمة في مكتب محاماة) أنه "لا فرق بين أن نسميها بنكاً إسلامياً أو بنكاً تشاركياً؛ بل المهم أنها معاملات مالية جديدة في المغرب".

بالنسبة لأسماء، التي تحدثت لـ"هافينغتون بوست عربي"، فإن "المطلوب من البنوك التشاركية، أن تكون فعالة في بناء اقتصاد المجتمع المغربي، وأن تكون خدماتها لصالح المواطن المغربي، وليس فقط من أجل تحقيق أرباح طائلة".

غير أن طارق (إطار في شركة مالية)، لا يرى وجود اختلاف بين هذه البنوك والبنوك العادية.

ويقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "نحن نتمنى أن تكون تعاملاتنا البنكية خالية من الربا، لكن للأسف هذه البنوك تعتمد بالأساس على التحايل على النصوص الشرعية. أو بعبارة أخرى، هي مجرد طرق وأساليب للدعاية لجلب الزبائن تحت أسماء إسلامية".

استوديو الأيام الشاتية

$
0
0
كلما هبّت نسائم "الشتاء" تحاتّت أغصان الذكريات، ومهما ارتدينا من أثقال لمواجهته، فإننا نبقى عراة.

أشعر في هذا الفصل بما لا أشعر به في سواه، المواقف لها (طنين) في الذاكرة.. لوحات فنية تحضر بدقة عالية من استوديو الأيام الشاتية: صوت المسبحة.. طعم القهوة.. درجة حرارة المسجد الدافئة.. طلاب المدارس بثياب الشتاء (الملونة).. أربع كفوف تمتد للمدفأة.. ومشهد أخيك المسجّى بالبطانية.. طفل يرسم فوق ضباب الزجاج (أحبك).. أسمار الليل.. (سعال) المصلين القادم من طرف الصف.. زكام الأنوف وحروفها المدغمة.. يداك وهما (ترتعشان) في جيب المعطف.. صوت الريح وهي تعانق الشجر وتصيح كأمٍ ثكلى.. وتفاصيل أخرى لا يسعها النص.

يحمل هذا الفصل دون كل الفصول قدرة فائقة على (طباعة) المواقف في الذاكرة، بنكهتها، وألوانها، وأبعادها المختلفة
وبأعجوبة: "التفاصيل الصغيرة تغدو جميلة في الشتاء" نواف القديمي.

عند فرز الألبومات العتيقة، تتجلى (مواعيد كبرى) حضرت شتاء، يأتي مشهد فخم لنبي الله موسى حين ذهب يتلمس الدفء شتاء فنوديَ "بورك من في النار"، وكان اللقاء الأول مع (الله).
ووعكت أم المؤمنين عائشة لثقل وقيعة الإفك وقلص دمعها، فنزلت براءة السماء في ليلة شاتية حضرت معها العافية، عشر آيات تتلى على مر الزمان.

(المدينة النبوية) كانت على موعد فرائحي يوم الخندق، رغم كثافة "الجوع والبرد والأحزاب" خبت الوجع وجاءت البشرى في الشتاء: "اليوم نغزوهم ولا يغزوننا".

مشهد شتوي فاخر لا يمكن نسيانه حدث قبل سنين، حين أكرمني الله وأنهيت "حفظ القرآن الكريم" في الحرم المكي أمام ميزاب الكعبة، لا يمكن أن أنسى (برودة) بلاط المطاف و(دفْء) سجود الشكر.

الشتاء (رئة كبرى) يتنفس منها الصالحون والشعراء والتجار والقراء والعشاق!
ثمة علاقة متينة بين الشتاء والحنين.. تتحفز في عشاءاته الخجولة خلايا الحب ويزداد خفقان الذكريات، وينبت للروح ألف جناح، فتحلق في البعيد البعيد، وتتداعى شخوص من نحب وتتلاقى الأرواح فتتعانق، في الشتاء تُرفع الكلفة بين المتحابين ويحلو الهمس وتذاع الأسرار، ولسان الحال ما حكاه شاعر سوريا عمر أبو ريشة مع الشتاء:
(كم زارني وكشفت عن صدري له).
الشتاء (نبي صغير) يلهمك بلياليه الطويلة، كل روتينك اليومي يتم قبل رنين المنبه!
كتبك المكدسة التي في قائمة الانتظار تختفي في مساءته، ولا عجب فمن الشتاء خرج مصطلح (أدب المدفأة) ويطلق على الروايات الطويلة التي تقرأ في الشتاء.

يقول الناقد العراقي عبد الستار البيضاني: "يمنَح الشتاءُ القراءةَ وقتاً أكثر.. كنا نؤجل قراءة الروايات الضخمة إلى الشتاء، فلَيلُ الشتاء كان يعني في الغالب بطانية صوفية ورواية روسية".

وتبقى "الكتب" واحدة من متع الشتاء الخالدة!
الشتاء (نبي صغير) حين يخلق فيك الرحمة كما خلقها في ابن عبدوس، جافاه النوم في ليلة شاتية فجمع غلّة عام وتصدق بها، وقال: ما نمت الليلة غمّاً لفقراء أمة محمد!
كم من أشجار (عارية) يقرضها سياط الريح تنتظر مثل ابن عبدوس؟!
وتردد: "بيتنا كان عراء.. والشبابيك هواء قارس..والسقف ماء" لأحمد مطر.

تواجه معركتين إن سلمت الرصاص لم يخطئها البرد..
الرحمة يا ابن الشتاء هي أن لا تبيت إلا وقد رميت بحطبة في (تنّور) الاستدفاء.

"ومن لم يؤدِّ دوراً إنسانياً.. فهو كالحطب المبلول في ليلة شاتية" عبده خال.

الشتاء يا صاح "شيخ" وقور حين تصغي للياليه المتأنية ومواعيده الكبرى، وشاب "نزغ" حين تَمور في جوفك الأشواق، وبين هذا وذاك، نحن من غمام الشتاء العذب نستحم.

مع أطيب الأماني بشتاء يرد (شوارد) الروح، وللذين يتقلبون في العراء شتاء (سلام) لا يقطع أنياط الجلود.

حصانة مرتضى منصور على المحك.. والسبب تاريخ الخصومة مع أحمد حسن.. إليك التفاصيل

$
0
0
يستمر الخلاف بين المستشار وعضو البرلمان المصري مرتضى منصور ولاعب الأهلي والزمالك ومنتخب مصر السابق أحمد حسن، ليصل إلى حد تقديم اللاعب بلاغاً ضد مرتضى لدى النائب العام يتهمه فيه بالسب والقذف والتشهير.

وقال حسن إنه تلقى تهديدات مباشرة بالقتل عبر هاتفه من رقم مجهول، وكشفت تحريات النيابة أن "رئيس نادي الزمالك الحالي، المستشار مرتضى، وراء هذه التهديدات".

وعلى أثر ذلك، طالبت نيابة منطقة الدقي الأربعاء 4 يناير/كانون الثاني، مجلس النواب برفع الحصانة عن المستشار مرتضى؛ للتمكن من استدعائه والاستماع لأقواله حول تلك الواقعة.



بداية المشكلة




وتعود المشكلة إلى وجود مستحقات مالية متأخرة لأحمد حسن عند نادي الزمالك، لم يتمكن من الحصول عليها؛ ما جعله في مارس/ آذار الماضي يقدِّم شكوى رسمية لدى اتحاد الكرة ضد النادي للمطالبة بتلك المستحقات.

وكان أحمد حسن قد صرح لموقع في الجول بأنه "اتخذ كل السبل مع الزمالك وحصل على أكثر من وعد من مرتضى، ولكن دون أي جدوى"، وأضاف أن "لديه مستحقات تصل إلى نحو مليون ونصف المليون جنيه (أي ما يعادل 85 ألف دولار) بعد تنازله عن ضعف هذا المبلغ تقريباً".



الهجوم ورد الفعل




وشنَّ مرتضى منصور هجومًا حادًا ضد أحمد حسن عبر مجموعة من القنوات التلفزيونية، حيث ظهر في مداخلة تليفونية عبر برنامج "خاص مع سيف" الذي يقدمه الإعلامي سيف زاهر، وفي إشارة إلى حسن قال: "ده سنته سودة".



وقال في مداخلة أخرى من خلال برنامج "اللعبة الحلوة"، عندما سأله المذيع عن البيان الذي يطالب فيه أحمد حسن برفع الحصانة البرلمانية عنه وجاء رد مرتضى: "مين أحمد حسن ده؟! كلمني في حاجة محترمة وليها قيمة من فضلك".

embed:

وأضاف في المكالمة نفسها: "هل كلما ابتعدت الأضواء عن أحدهم، لجأ إلى مرتضى كي يحصل على الشهرة والأضواء؟!".

وذهب مرتضى منصور في المكالمة ذاتها إلى الحديث عن قضية "زواج أحمد حسن سراً بمذيعة مشهورة"، وقال إن "أحمد حسن تخلى عن زوجته التي وقفت إلى جواره وساندته، وذهب وتزوج إحدى المذيعات"، وأرجع منصور سبب غضب حسن منه إلى ذلك التصريح.

وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن الزوجة الثانية لأحمد حسن هي الفنانة دينا فؤاد، فيما نفى الطرفان الأمر في أكثر من مناسبة، مشيرين إلى أن ما يربطها هو "علاقة صداقة".

وزاد الخلاف عندما تساءل مرتضى عن "مصدر أموال أحمد حسن ومن هم شركاؤه في المشاريع"، وجاء رد أحمد من خلال صفحته على فيسبوك قائلاً: "إنه لن ينزلق إلى الرد على الأكاذيب والبذاءات التي يطلقها المحامي مرتضى منصور ضده".

وأضاف اللاعب السابق أنه "يتمنى، مثلما ذكر مرتضى منصور، أن تفتح بالفعل الجهات الرقابية التحقيق في أمواله وكذلك أموال عضو مجلس النواب؛ ومن أين جمع تلك الأموال وتراجع مصادرها".



وقد صرح المستشار القانوني لأحمد حسن برفض دخول موكله في أي تجاوزات بحق الخصوم، وأن الرد سوف يأتي في الوقت المناسب، وما يطلبه هو سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية.

المغرب.. استقبال شبه رسمي لجثث ضحايا هجوم الملهى الليلي.. وانقسام في الآراء حول جدواه

$
0
0
عقب الاعتداء الإرهابي الذي عرفه الملهى الليلي رينا بإسطنبول ليلة رأس العام الجديد، والذي راح ضحيته 39 شخصاً أغلبهم من جنسيات عربية، بادر العاهل المغربي بالتكفل بنقل جثامين المواطنين المغاربة، وكذا التكفل بمصاريف علاج المصابين، وذلك حسب بلاغ رسمي لوزارة الخارجية والتعاون المغربية.

وفي أول تصريح للصحافة المحلية بعد وصول جثث ضحايا الإعتداء، عبر السفير التركي في الرباط، أدهم باركان أوز، عن أسفه وحزنه الكاملين قائلاً: "نواجه في تركيا، منذ مدة، مثل هذه العمليات الإرهابية، التي مست سلامة الكثير من مواطنينا. وبصفتي سفيراً لبلدي لدى المغرب، فحسرتي مضاعفة لوجود بعض الضحايا المغاربة، لهاته العملية الجبانة التي نفذها هؤلاء الحقراء"، على حد وصفه.

كما أضاف أن هناك 4 مصابين آخرين ما زالوا يتلقون علاجهم بمستشفيات إسطنبول، متمنياً رجوعهم بصحة وسلامة لبلدهم.

هذا، وقد كان في انتظار الجثث جنازة شبه رسمية بحضور أطر عسكرية ومدنية؛ وذلك راجع إلى تكفل عاهل البلاد الملك محمد السادس، بصفة رسمية، بعملية نقل الجثامين؛ إذ حضر شخصيات رسمية، مثل والي الجهة ووالي أمن، والقائد الجهوي للدرك الملكي، ورئيس المجلس الجماعي.







وقد خلق هذا الاستقبال بعض ردود الفعل المتناقضة بين رواد الشبكات الاجتماعية؛ بين مؤيد للخطوة معتبراً إياها عملاً إنسانياً هدفه التخفيف عن عائلات وأسر ضحايا العملية الإرهابية، موجهين شكرهم للدولة المغربية في شخص عاهل البلاد.





بينما أصر البعض الآخر على أن الأمر مبالَغ فيه إلى حد ما؛ إذ استغرب أحدهم وقوف كبار المسؤولين لتشييع الجنازة، مستنكراً عدم حضورهم في مناسبات أكثر أهمية، على حد تعبيره.


كيف تجعل المحادثات العميقة في "قبضة يدك"! إليك 12 طريقة لإقامة علاقات طويلة

$
0
0
تتواجد المحادثات الصغيرة لسبب ما. فمن الغريب أن تبدأ حديثك بسؤال "ما هي أفضل ذكريات طفولتك؟" عندما تقابل شخصاً لأول مرة في مؤتمر أو حفل ما.

فلا أحد يريد أن يتورط في الحديث عن أنها تمطر بغزارة طوال الوقت، من أجل معرفة القصة الحقيقية لذلك الشخص وراء اختياره مجال عمله الحالي على سبيل المثال.

ولمساعدتك على إجراء محادثات ذات معنى، جئناك ببعض الموضوعات المتعلقة بذلك الأمر من موقع Quora، فيما نشرها موقع Business Insider.


اقرأها واكتشف ما يجب (وما لا يجب) عليك قوله لبدء حوار موضوعي مع الآخرين.






1- اجعل بدايات المحادثات "العميقة" في قبضة يدك





لا تتوقع أن تتبادر الموضوعات الموضوعية على الفور إلى ذهنك. إذ تقول تريسي تشو، مهندسة البرمجة في موقع Pinterest، أنه ينبغي عليك أن تبدأ بالتفاعل عن طريق بعض بدايات المحادثات العميقة الجاهزة لديك.

وتقترح تشو ضرورة قراءة بعض الكتب عن الاقتصاد السلوكي وعلم النفس والتحدُّث عنهم، إذ إن هذه الموضوعات تعتمد في الأساس على الناس، لذا ستكون لدى قارئها آراء حول سلوكهم الخاص.

كما اقترحت مشاهدة القليل من برنامج TED Talks، إذ تعتبره مصدر عظيم آخر للأفكار الرائعة عن العالم، كما ستساعد في جعلك أكثر ذكاءً في مجال الأعمال.



2- اطرح أسئلة حول الموضوعات التي تهم الشخص الآخر







conversations


أشار العديد من مستخدمي موقع Quora إلى أن أحد أفضل الطرق لبدء محادثة ممتعة، هو إيجاد شيء ما يهم الشخص الآخر.

أَظْهِر أنك تريد معرفة أشياء أكثر عن ذلك الموضوع عن طريق طرح سلسلة من الأسئلة عنه. وتقول تاتيانا ستيفز: "حاول اختيار موضوع يثير حماسهم حقاً، وابدأ بمحادثة سطحية عادية. ثم اسأل سؤالاً استفسارياً (أو أكثر من سؤال)، حتى وإن لم يكن موضوع الحديث على هذا القدر من الأهمية".

على سبيل المثال، تقول ستيفز إن كانوا يحبون أخبار المشاهير، اسألهم ما إن كانوا يظنون أن "ثقافة المشاهير" (معرفة كل شيء عن حياتهم الخاصة والعامة)، تجعل الناس أقل سعادة في حياتهم.



3- اكتَشِف المميز بالشخص الآخر




يكتب المستخدم جوشوا إيفانز قائلاً أنه أياً كان الذي تقوله، تجنب افتتاح كلامك بالعبارة المروعة "ما عملك؟"، لأنك ستقوض الشخص الآخر في الحديث عن عمله فقط.

يقول إيفانز، بدلاً من ذلك عليك أن تسأل، "ما الذي يجعلك قوياً لهذا الحد؟ إذ سيحثّه ذلك على إطلاق ضحكة مكتومة وهو يتناول مشروبه. وربما تكتشف شيئاً مجنوناً عنه، فقد يكون مُحامياً نهاراً، وعازِفاً للروك ليلاً.



4- تجنب الحديث عن الطقس




حسناً.. انخفضت الحرارة ثلاث درجات عن متوسط الحرارة المتوقعة لشهر ديسمبر/كانون الأول. يا له من موضوع شيق!!

تقول المسؤولة عن تعيين المهندسين بـ فيسبوك، آمبرا بنجامين: "تجنب الحديث عن الطقس فهو مثل الثقب الأسود للمحادثات السطحية".




5- افترض وجود أفكار عميقة لدى الشخص الآخر




يكتب توباس براون قائلاً: "إذا افترضت أن هناك أدنى احتمال في أن الشخص الآخر قد يكون مملاً أو سيتحدث بغباء، ربما لن تسأله عن أشياء ترشده للطريق الصحيح للحديث، وستفسد النقاش بجعله نقاشاً مملاً".

بعبارة أخرى، اعتبر أن الشخص الآخر حريص مثلك تماماً على إجراء محادثات ذات معنى.




6- لا تجبر الآخرين على رؤية الأمور من منظورك الخاص







conversations


إن حوّلت كل محادثة إلى فرصة لإقناع الناس بقِيَمَك ومعتقداتك، فعلى الأرجح ستواجه وقتاً عصيباً لجعل أي شخص يتفق مع أفكارك. في النهاية، لا يحب أحد أن يشعر وكأنك تدعوه لدين جديد.

يقول جويل بوستمان: "لا تعول كثيراً على كونك على صواب أو على إقناع الناس بتبنِّي وجهة نظرك".

بدلاً من ذلك، استمع برحابة صدر لأفكار من تتحدّث معهم، وحاول على الأقل فهم وجهة نظرهم.



7- أفصح عن شيء شخصي قليلاً




تكتب جان ليدبتر قائلة: "اكشف شيئاً عن نفسك، وناقشهم عما شعرت به وما تعلمته مما مررت به، هذا سيقود حتماً إلى إفصاح الآخرون عن أشياء خاصة بهم. لا يجب أن تكون أسراراً ضخمة، فقط شيء شخصي يجعل الحوار أكثر ألفة".

رأي ليدبتر مدعوم علمياً، إذ يقول علماء النفس أنك عندما تكشف شيئاً عن نفسك، فالآخرون يميلون لأن يحذوا حذوك.

فقط انتبه ولا تشارك شيئاً شخصياً جداً. على سبيل المثال، يمكنك ذكر كيفية اكتشافك لفنان موسيقي جديد تفضله خلال هذا الأسبوع، وليس أنك على علاقة بزميلتك في العمل.



8- تحدَّث عن شيء بعينه تعمل عليه




عندما يسألك شخص عن عملك، لا تقل أنك كاتب أو طبيب. فوفقاً لموقع Lifehacker يمكنك أن ترفع مستوى المحادثة قليلاً بإضافة القليل من التفاصيل عن شيء ما قمت بإنجازه هذا الأسبوع.

وبالمثل، عندما يسألك مُحدِّثك عن هوايتك، تحدَّث عن تجربتك الأخيرة أثناء ممارسة هوايتك، سواء كانت تلك الهواية هي الكروشيه أو الركض في المتنزه، أو أية هواية أخرى.



9- اسأل لتحصل على قصص وليس إجابات




قد يكون مغرياً أن تحاول كسر الصمت بسؤال جيّد مثل، "كيف كانت عطلتك الأسبوعية؟"، أو "كيف حالك؟".

لكن كما دون كريس كولين وروب باديكر على موقع TED.com، يمكنك استخراج المزيد من التفاصيل عبر طرح السؤال التالي،"ما هو أفضل جزء في عطلتك الأسبوعية الماضية؟" أو "ما الذي تتطلََع إليه هذا الأسبوع؟".

يمكن لمحدثك، بهذه الطريقة، أن يخبرك قصة تسمح لك بمعرفة المزيد عنه، وما الذي يثير حماسته للحديث.



10- كن أقل أنانية





إن كان يتملكك الفزع حول كيفية سير تلك المحادثة، ربما يكون الوقت قد حان لتبني عقلية جديدة، والبدء في التفكير عما يشعر به محدثك.

إذ كتب فام تين هيب قائلاً: "نحن نرى الناس بعين تغلب عليها الأنانية، ونفكر في ماذا يمكنهم أن يفعلوا من أجلي؟، بينما في الواقع علينا التفكير في الطريقة التي يمكننا أن نخدم بها نحن الآخرون.

وتابع: "عندما نبتعد قليلاً عن التفكير بأنفسنا ونبدأ في التفكير بالآخرين، سيسهل علينا قول كل ما هو مناسب. وما إن نستطيع سماع الآخرين باهتمام وإنصات شديدين، سنكون متاحين بصورة أفضل لسماع أنفسنا، ولن يكون علينا التفكير فيما يجب قَوْله".



11- توصَّل لما يوقد شرارة المحادثات





تصفح الأخبار لمعرفة موضوعات المحادثة المحتملة، طالما ستتخذ الأمر خطوة بخطوة.

يقترح جيف كالاهان ما يلي: "قُم بِخَلْق شرارة للمحادثة عن حدث جاري، لتضيفها لنهاية جملتك". والمثال على ذلك: "هل تفضلون س أم ص؟"، و"إن كان راتبك 1000 دولار هل ستفعل كذا وكذا؟'.



12- لا تلتزم بالنص







conversations



قدّمت مقدمة البرامج الإذاعية العامة سيليست هيدلي، فقرة في TEDx Talk وتحدّثت عن كل شيء تعلمته، بدايةً من مصادر المقابلات، وحتى النصائح لإجراء محادثات مثمرة.

إحدى تلك النصائح -تنطبق على الجميع، من الصحفيين وغيرهم- هي "تحرَّك مع التيار". بعبارة أخرى، لا بأس إن لم تسر محادثتك وفقاً للخطة بالضبط، طالما كانت تلك المحادثة مشوقة.

إذ تقول هيدلي: "كثيراً ما سمعنا عن لقاءات يتحدّث فيها الضيف لعدة دقائق ثم يخرج المضيف بسؤال يبدو أنه خرج من العدم، أو تمت الإجابة عليه منذ قليل بالفعل. مما يعني أنه من المُرجح أن يكون المضيف توقف عن الاستماع منذ دقيقتين لأنه كان يفكر في سؤاله الذكي جداً، وعزم على طرحه بكل تصميم".

ونحن نفعل نفس الشيء بحذافيره.. القصص والأفكار لن تتوقف عن التوارُد عليك. وما عليك إلا أن تدعها تتوارد كما يحلو لها، لكنك ستتخلى عنها.

هذا الموضوع مترجم عن موقع Business Insider. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

أفضل 36 طريقة لحرق السعرات الحرارية الزائدة في ساعة واحدة

$
0
0
يجب على المرء اتّباع حِمية غذائية معينة وممارسة الرياضة بانتظام، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات اليومية للجسم، ومعرفة ما إذا كان هذا النمط سيُحدث أثراً إيجابياً على صحته.

بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون ضغطاً كبيراً في إدارة الوقت، ينبغي لهم معرفة مقدار الجهد الذي يبذلونه عند كل تمرين رياضي؛ لمعرفة مقدار السعرات الحرارية التي سيحرقونها.

كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن الأعداد الموجودة ليست سوى تقديرات، وأن التمرين الذي يسمح لك بحرق أكبر عدد من السعرات الحرارية ليس بالضرورة التمرين والخيار الأفضل بالنسبة لك، إذاً، التمرين الأفضل بالنسبة لك هو ذاك الذي يجعلك تستمتع بممارسة الرياضة والمواظبة عليها دون الشعور بالملل.



36. يوغا الهاثا - 228 سعرة حرارية في الساعة




إن ممارسة "يوغا الهاثا"، وهو تمرين رياضي يرتكز على القيام ببعض الحركات، تعتبر من بين أفضل التمارين التي اخترناها لتحتل الترتيب في آخر القائمة؛ لأنها تساعد على حرق قرابة 228 سعرة حرارية في الساعة بالنسبة للأشخاص الذين لا يتجاوز وزنهم 200 باوند (91 كيلوغراماً).



35. المشي المعتدل - 255 سعرة حرارية






walk


يمكن ممارسة هذه الرياضة في الصباح؛ إذ يسمح هذا النشاط لشخص يزن قرابة 200 باوند، ويمارس رياضة المشي بخطوات معتدلة السرعة، بحرق ما يعادل 255 سعرة حرارية.



34. لعب البولينغ - 273 سعرة حرارية




يمكن لهذه الرياضة أن تساعد الشخص على حرق قرابة 273 سعرة حرارية في الساعة الواحدة.



33. الرقص - 273 سعرة حرارية






32. التاي تشي - 273 سعرة حرارية في الساعة




تُعتبر رياضة التاي تشي من الفنون القتالية الصينية ومن بين التمارين الرياضية التي يمارسها العديد من الأشخاص حول العالم، ويمكن ممارستها وفق نسق سريع أو بطيء، وهي تتضمن العديد من الحركات.



31. قيادة قارب الكانوي - 319 سعرة حرارية في الساعة




تتطلب هذه الرياضة الكثير من التجديف، وتُمارس عادة في النهر، ومن شأنها أن تساعد الشخص على حرق 319 سعرة حرارية في الساعة الواحدة، بالنسبة للأشخاص الذين لا يقل وزنهم عن 200 باوند.



28. ركوب الدراجة وقيادتها بسرعة معتدلة - 364 سعرة حرارية في الساعة:






bicycle


يمكن لقيادة الدراجة بسرعة معتدلة أن يساعد الشخص على حرق ما يقارب 364 سعرة حرارية في الساعة، وهو عدد السعرات نفسه الذي يمكن أن يحرقه شخص يمارس رياضة كرة الطائرة واليوغا.



27. الكرة الطائرة - 364 سعرة حرارية في الساعة






26. اليوغا - 364 سعرة حرارية




إن تمارين اليوغا تعتمد أكثر على الحركات العضلية مقارنة بتمرين اليوغا هاثا، وهي تُعتبر من بين التمارين الرياضية التي يمكن أن تساعد الشخص على خسارة الوزن.



25. الغولف - 391 سعرة حرارية




إن لعب الغولف، وحمْل معداته الرياضية، من شأنهما أن يساعدا الشخص الذي يمارس هذه الرياضة على خسارة 391 سعرة حرارية في الساعة الواحدة.

وهو المعدل نفسه بالنسبة لرياضة التزلج على الجليد والمشي السريع.



24. التزلج على الجليد - 391 سعرة حرارية في الساعة






sking




23. المشي السريع - 391 سعرة حرارية في الساعة




22. تمارين التنفس منخفضة الشدة - 455 سعرة حرارية
يمكن لتمارين التنفس أن تجعل الشخص يخسر ما يقارب 455 سعرة حرارية في الساعة، وهو عدد السعرات نفسه الذي يمكن للشخص حرقه عند ممارسة رياضة الجري على آلة المشي أو رفع الأثقال أو كرة القاعدة أو الكرة اللينة.



21. رفع الأثقال - 455 سعرة حرارية






20. رياضة كرة القاعدة أو الكرة اللينة - 455 سعرة حرارية






19. الإيروبيك المائي - 501 سعرة حرارية




إن ممارسة الإيروبيك من شأنها أن تجعل الشخص يحرق ما يقارب 501 سعرة؛ لأنها رياضة مائية، وتتطلب بذل جهد أكبر.



18. السباحة المعتدلة - 528 سعرة حرارية




يمكن للشخص الذي يمارس السباحة بنسق معتدل أو بطيء حرق ما يقارب 528 سعرة حرارية في الساعة الواحدة.



17. المشي لمسافة طويلة - 546 سعرة حرارية




يمكن للشخص الذي يمارس رياضة المشي لمسافات طويلة، والتجديف الثابت، والتزلج على الماء أن يحرق نحو 546 سعرة حرارية في كل ساعة.



16. التجديف على آلة رياضية - 546 سعرة حرارية






15. التزلج على الماء - 546 سعرة حرارية






14. التزلج على الجليد لمسافة طويلة - 619 سعرة حرارية




تعتبر ممارسة رياضة التزلج على الجليد من بين الرياضات القاسية التي تتطلب جهداً عضلياً أكثر من غيرها من الرياضات، ومن شأنها أن تجعل الشخص يحرق ما يقارب 619 سعرة حرارية بالنسبة للأشخاص الذين لا يقلّ وزنهم عن 200 باوند.



13. حزم حقائب الظهر للتجول - 637 سعرة حرارية






hiking


إذا أردت حرق السعرات الحرارية، فعليك بحزم حقيبة الظهر الخاصة بك، ثم الذهاب في جولة في الطبيعة.

كما يمكن ممارسة رياضة التزحلق على الجليد وكرة المضرب التي تساعد الشخص على حرق العدد نفسه من السعرات.



12. التزحلق على الجليد - 637 سعرة حرارية






11. كرة المضرب -637 سعرة حرارية






10. تمارين الإيروبيك المكثفة - 664 سعرة حرارية




يستطيع الشخص الذي يمارس هذا النوع من التمارين الرياضية حرق 664 سعرة حرارية بسهولة؛ لأنها تتطلب مجهوداً عضلياً كبيراً.



9. التزلج - 683 سعرة حرارية




تتطلب ممارسة هذه الرياضة القيام بالعديد من الحركات الجسدية، ما يمكن أن يساعد الشخص على حرق 683 سعرة حرارية في الساعة الواحدة.



8. مباراة كرة السلة - 728 سعرة حرارية




يستطيع الشخص في أثناء مباراة كرة السلة حرق ما يقارب 728 سعرة حرارية، وهو تقريباً عدد السعرات نفسه الذي يحرقه الشخص في أثناء ممارسة كرة القدم أو التنس المنفرد.



7.التنس المنفرد - 728 سعرة حرارية






6. الجري لمدة 5 أميال في الساعة - 755 سعرة حرارية




إن جري شخص لا يقل وزنه عن 200 باوند لمدة ساعة واحدة لمسافة قدرها 5 أميال (8.05 كيلومتر)، من شأن ذلك أن يساعده على حرق قرابة 819 سعرة حرارية.



5. الجري على الدرج - 819 سعرة حرارية




يستطيع الشخص الذي يجري لمدة ساعة على الدرج (السلم) حرق ما يقارب 819 سعرة حرارية في الساعة.



4. السباحة القوية - 892 سعرة حرارية




تعتبر السباحة من بين التمارين الرياضية التي من شأنها أن تساعدك على حرق ما معدله 892 سعرة حرارية خلال ساعة.



3. التايكواندو - 937 سعرة حرارية






taekwondo


يمكن للشخص الذي يمارس رياضة التايكواندو حرق 937 سعرة حرارية خلال ساعة واحدة؛ وذلك بسبب ما تتطلبه هذه الرياضة من مجهود عضلي كبير.



2. القفز بالحبل - 1074 سعرة حرارية




على الرغم من أن هذا التمرين الرياضي من بين أكثر التمارين بساطة وسهولة، فإنه يساعد الشخص على حرق نحو 1074 سعرة حرارية خلال ساعة واحدة.



1. العَدْو لمسافة 8 أميال (12.87 كيلو متر) - 1074 سعرة حرارية





- هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Business Insider الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

نجوم على الأرض

$
0
0
فيلم نجوم على الأرض Like stars on the Earth
أو Taare Zameen Par باللغة الهندية.
حائز على تقييم 8.5/10 على موقع imdb.. مُناسب لجميع أفراد الأسرة.

"التعليم ليس ملء دلو.. لكنه إيقاد شعلة" - ويليام بتلر ييتس.

هذا الفيلم ليس مُجرّد فيلم تشاهده بهدف الاستمتاع وقضاء الوقت؛ بل هو فيلم توعويّ بالدرجة الأولى، يحكي قصة الطفل إيشان الذي يُعاني إحدى صعوبات التعلُّم، ما يُسمّى طبياً باسم ديسليكسيا وهو مرض تعسر أو صعوبة القراءة عند الأطفال، ويطلق عليه إعاقة القراءة، ويحدث للطفل العادي ذي الرؤية والذكاء الطبيعي.

يتناول الفيلم معاناته عبر عدّة مراحل:

فنرى إيشان الذي يصنع عالمه الخاص من خلال الرسم، وتأمّل الأسماك، واللعب مع الكلاب، واستمتاعه بالهواء يداعب وجهه أثناء ركوبه الحافلة، في الوقت الذي قد لا يعيرُ فيه الآخرون اهتماماً لمثل هذه الأشياء.
ونراه في المدرسة، حين تطلب منه المُعلّمة أن يقرأ فنجده يتأمّل الكتاب مرتبكاً قائلاً: إنَّ الحروف تتراقص أمام عينيه، فلا يكون منها إلا أن تقوم بتوبيخه وطرده خارج الصف.

لم يكن إيشان أفضل حالاً في بيته؛ حيث يتلقّى باستمرار تقريع والديه لـ"فشله الدراسي"، كما يتوهمان، ويواصلان المقارنة بينه وبين أخيه الأكبر الذي يحصل على العلامات النهائية في كل المواد.

يستبد اليأس بوالده فيُقرر إرساله إلى مدرسة داخلية ظناً منه أن طفله مهمل ومقصّر، لا يحتاج إلا إلى بيئة أكثر انضباطاً وهو ما زاد إيشان بؤساً.

"إن كان الغرض من التعليم هو تسجيل درجات جيدة في الامتحانات فقد فقدنا البصر عن السبب الحقيقي للتعليم" - جيني فولبرايت.

في المدرسة الداخلية لم يكن الوضع أفضل حالاً؛ حيث يعمل المعلّمون جاهدين على قولبة تفكير الطلاب نحو هدف واحد: طالب يحفظ الكتب، يحصل على أعلى الدرجات ويمتثل للأوامر، على سبيل المثال يأمرهم مُعلّم الفنون برسم أشكال محددة على الطاولة، وأن يحرصوا على الاستقامات لرسومات تمتلئ بالخطوط المنحنية! ومن يغفل عن هذا يتلقّى ضرباً بالعصا على مفاصل يده.

من حُسن حظ إيشان أن يُنتدب معلّم فنون جديد إلى مدرسته، ويعيره انتباهه ويكتشف حالته ويبدأ في تعليمه بطرق مُبتكرة، مما يُسهم في تحسّن مستواه الدراسي واكتشاف مواهبه الفريدة في الرسم والتفكير الإبداعي.
ويستعيد إيشان ثقته بنفسه وتعود إليه ابتسامته..

الواقع أنَّ هذا الفيلم مهم لكلّ أب وأم، فصعوبات التَعلّم يتم تفسيرها كإهمال وتقصير من الطفل وفشل دراسيّ، وكثيراً ما يتم ظُلم الطفل واختزاله في بعض درجات، ويتم التغاضي عن غيرها من المهارات.. هذا الفيلم مليء بالدروس، أهمها أنّ كل طفل مُميّز، كلّ طفل يستحق أن نترك له المجال ليُبدع، كل طفل لديه من القدرات الإبداعية والخلّاقة ما يكفي ليُدهشك، فقط أرخِ قبضتك عنه ودَعْه يُحلِّق.

"كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فناناً عندما تكبر" - بابلو بيكاسو.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شبح "البوليس السري" يثير المخاوف في ألمانيا.. برلين تضع خطة مثيرة للجدل لإصلاح الجهاز الأمني

$
0
0
قبل 9 شهور من الانتخابات التشريعية، فتح وزير الداخلية الاتحادي الألماني، توماس دي مزيير، باب الجدل على مصراعيه، باقتراحه خطة لإصلاح أجهزة الأمن في البلد الأوروبي، الذي شهد قبل أسبوعين هجوماً دامياً على إحدى أسواق أعياد الميلاد.

خطة دي مزيير تقوم على انتزاع سلطات الأمن وجمع المعلومات الاستخباراتية من الأقاليم وتركيزها في يد سلطة مركزية، وهو ما يراه منتقدون، من المعارضة والائتلاف الحاكم، تهديداً للحريات المدنية والنظام الفيدرالي، الذي ترسخ في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

ومنذ إعلان هذه الخطة، في مقال نشره دي مزيير بصحيفة "فراكفورتر الجماينه" واسعة الانتشار، الثلاثاء الماضي، تتصاعد الانتقادات، لا سيما في بلد عانى لعقودٍ ويلات السلطة المركزية في العهد النازي (1933-1945)، وحكم الحزب الشيوعي لألمانيا الشرقية (1945-1990) قبل الوحدة.

إلا أن إعلان نائب المتحدث باسم الحكومة الأربعاء الماضي، أن المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، تؤيد الخطة، مبدئياً، فتح الباب أمام مرحلة من الجدل السياسي، وربما إعادة تأسيس الرؤية الأمنية لمواجهة تحديات راهنة ومستقبلية.



تقليص سلطات الأقاليم





خطة وزير الداخلية الألماني تقترح انتزاع السلطات الأمنية والاستخباراتية من الأقاليم، وأن تحل وكالة استخبارات واحدة على المستوى الوطني محل أجهزة الاستخبارات الإقليمية، إضافة إلى تأسيس جهاز شرطة فيدرالي، بدلاً من المكتب الفيدرالي للتحقيق الجنائي، ومنح الحكومة سلطات واسعة لترحيل طالبي اللجوء المرفوضين.

وهي إجراءات يرى دي مزيير أنها ضرورية لتحقيق الأمن والاستقرار في أوروبا عامة، مشدداً على أن "أمن الدولة يجب أن تتحكم فيه الدولة".

ودعماً لتلك الخطة، قال نائب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، جورج شايتر، في بيان، إن "المستشارة (ميركل) كانت قد أعلنت أن الوزير الاتحادي دي مزيير سيقدم مقترحات لتحسين الأمن الداخلي، وشجعته على ذلك".

المتحدث تابع قوله: "نحن نعيش حالياً في فترة تحديات جديدة، والسؤال الرئيسي هنا يتمثل في: ما الردود المناسبة على تلك التحديات؟ وليس السؤال عما إذا كان إدخال تغييرات تنظيمية مناسبا أم لا.. رفض واستبعاد كل شيء بشكل قطعي من البداية، لا يمكن أن يكونا الطريق الصائب. ومبدئياً، تدعم المستشارة وزير الداخلية الاتحادي بشكل واضح".



تقويض للبناء الأمني





بيان الدعم الرسمي، ولو بشكل مبدئي، جاء وسط عاصفة من الانتقادات من أحزاب في الائتلاف الحاكم والمعارضة لخطة وزير الداخلية، إلى حد وصفها بأنها "تقوض البناء الأمني اللامركزي، الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية، كنتيجة لمعاناة الشعب الألماني في ظل أجهزة النازية الأمنية".

خطة دي مزيير، وفق مراقبين، تأتي بعد تزايد الانتقادات لأجهزة الأمن الألمانية، التي تتسم بالتشظي وضعف التنسيق البيني، ما يمكن الإرهابيين المحتملين، وبينهم المشتبه فيه في هجوم برلين الأخير، أنس العامري، من تفادي المراقبة.

وبحسب صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، فإن ألمانيا تعرضت لضغوط من حلفائها الأميركيين والبريطانيين؛ لتحسين أجهزة استخباراتها لمواجهة "المتطرفين الإسلاميين".

وكل ولاية من الولايات الـ16 التي تشكل جمهورية ألمانيا الاتحادية، تمتلك أجهزتها الاستخباراتية الخاصة، وتحت ما يعرف بمبدأ "توازن السلطات"، سلطة كاملة فيما يتعلق بالسياسات الشرطية والتعليمية والثقافية.



أدولف هتلر جديد





لكن عراقيل عديدة تواجه اعتزام الحكومة الألمانية تنفيذ خطة إصلاح النظام الأمني، الذي فرض عليه الحلفاء "النمط اللامركزي"، عقب الحرب العالمية الثانية؛ لمنع ظهور أدولف هتلر جديد، ولاقى تأييداً من الشعب الألماني؛ لما عاناه الألمان تحت وطأة سلطة مركزية متعسفة.

ومنذ إعادة توحيد شطري ألمانيا عام 1990، طُرحت أكثر من مرة مقترحات لإصلاح الأجهزة الأمنية في ألمانيا، غير أنها لاقت معارضة كبيرة في كل مرة، وفق صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ومنذ أيام، يلاقي مقترح دي مزيير معارضة كبيرة من أحزاب في المعارضة، وأخرى في الحكم، منها حزب الاشتراكيين الديمقراطيين (ممثل يسار الوسط وثاني أكبر حزب ألماني)، فضلاً عن بعض الوجوه داخل الائتلاف المحافظ، بقيادة ميركل.



"لا قيمة لها"





بيتر باوتيه، وزير داخلية مقاطعة هيسن، والسياسي البارز بالحزب الديمقراطي المسيحي الذي تقوده ميركل، اعتبر أن خطة وزير الداخلية الاتحادي "لا قيمة لها".

باوتيه، وفي بيان له الثلاثاء الماضي، أضاف أن "الخطوات المتسرّعة مثل هذه المقترحات، لا تقوض فقط ثقة المواطنين بالدولة؛ بل تضع البناء الأمني الفيدرالي موضع تساؤل وضغط".

فيما اعتبرت يولا يالبكا، الخبيرة الأمنية والسياسية البارزة في حزب اليسار، أن هذه الخطة تمثل "اعتداء مباشراً" على المبادئ الفيدرالية، التي وُضعت لمنع أي تركّز للسلطات في يد السلطة المركزية بعد سقوط النازية.

حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، المشارك في الائتلاف الحاكم، والذي يجب أن يوافق على أي مشروع قانون لتمريره في البرلمان، انتقد كلاً من الحزب الديمقراطي المسيحي، وحليفه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (يمين وسط)، لتركيزهما، وفق تقديره، على مشروعات قوانين "مثيرة للجدل".

سيغمار غابريل، قائد حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، نائب المستشارة، دعا، الثلاثاء الماضي، إلى الحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر التركيز على دمج الأقليات، داعماً اتخاذ إجراءات أمنية "محدودة".

غابريل مضى معتبراً أن "دي مزيير يرتكب خطأ كبيراً"، بإعلانه خطة تنتزع سلطات الأقاليم لصالح السلطة المركزية، بحسب ما نقلته صحيفة دي فيلت اليمينية.

وبدوره، حذر الخبير في السياسات الأمنية بألمانيا، كريستيان موليجش، من "تجاهل الدور الذي لعبه الماضي في تشكيل توجهات الألمان بشأن السلطة المركزية"، مضيفاً، في حديث لـ"نيويورك تايمز"، أنه "يجب أن يبقى في عقول الجميع أن هذا البلد لديه خبرة كبيرة في الديكتاتوريات، ومن ثم فإن فئة كبيرة من المجتمع لا تتمني أن ترى عودة البوليس السري الذي كان جزءاً من حياتهم اليومية".



قلق الناخبين





أما أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون الألمانية، دانيل هيملتون، فقال لوكالة الأناضول إن "ألمانيا تحاول الموازنة بين البناء الاستخباراتي اللامركزي، الذي جرى تأسيسه نتيجة لسوء استغلال السلطة المركزية في العهد النازي، وحاجتها للتعاطي بنجاعة مع التهديدات الراهنة والمستقبلية، التي تتطلب أجهزة استخباراتية أكثر تماسكاً وكفاءة".

هيملتون تابع بقوله إن "خطة دي مزيير هي محاولة لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة والمستقبلية، وإعادة تموضع لألمانيا كي تتعامل بكفاءة معها. فشل التعاون الاستخباراتي، ليس فقط داخل ألمانيا، لكن أيضاً بين الدول الأوروبية، وهذه مشكلة كبيرة يريد معظم مواطني الاتحاد (الأوروبي) وضع نهاية لها".

لكن هيملتون عاد وقال إن "هناك تخوفاً من تأثير خطة دي مزيير على الحريات المدنية، وأتوقع أن تمثل محوراً مهماً في الحملات الدعائية للانتخابات التشريعية (سبتمبر/ أيلول المقبل)، لكن يبدو أن ميركل ودي مزيير يستجيبان للناخبين القلقين من مستوى الأمن، ومن ثم ستساعدهم الخطة في الانتخابات أكثر مما ستضرهم".

وبعد هجوم الشاحنة في برلين، الذي أسقط 12 قتيلاً و48 جريحاً عبر دهسهم، أظهر استطلاع للرأي، نشرت الإذاعة الألمانية نتائجه يوم 26 ديسمبر/كانون الأول، أن غالبية الألمان يؤيدون اتخاذ إجراءات أمنية إضافية لحفظ الأمن، حيث أيد 60% زيادة عدد كاميرات المراقبة، و73% زيادة قوات الشرطة، وهو ما يعكس قلق الغالبية من المسألة الأمنية.

للجاسوسية وجوه أخرى

$
0
0
كنت منذ صغري -وما زلت إلى يومنا هذا- مولعة بأفلام الجاسوسية والعملاء السريين؛ لأنني ترعرعت على قراءة أعدادٍ لا نهائية من "رجل المستحيل - أدهم صبري"، جيمس بوند الشرق، وهو بالطبع غني عن التعريف، لكن ما أثر فيّ حقاً هو مشاهدتي لقناتي شباب المستقبل "سبيس توون" و"إم بي سي 3"، وقد كانت "Totally Spies" الأخيرة تذيع حلقات مسلسل "الجاسوسات".

كنت أتخيل نفسي دائماً جزءاً من فريق "سام" و"كلوفر" و"أليكس"؛ ثلاث فتيات بالجامعة يصبحن عميلات سريات دون قصدٍ منهن، يحاربن الشر، ويحاولن إنقاذ العالم بمعداتهن المبهرة التي دائماً ما تحمل لمسات أنثوية خاصة، وقد ظل المسلسل قائماً من 2001، أي منذ كان عمري ثماني سنوات، وحتى 2013، ولم أفوّت حلقة واحدة قط.

وبعد تطور الأقمار الصناعية، وإنشاء شبكة قنوات الأوربت، حرص أبي على إدخالها إلى منزلنا، بالطبع لم نشترك فيها، وإنما ذاع استخدام الوصلات المسروقة، ولم يخلُ بيت في شارعنا منها، وشاء القدر أنْ نكون من ضمن العائلات التي سارعت باستغلال هذه الوصلات، وحين أفكر بهذا حالياً لا أندم مطلقاً، وحين أشعر بوخزة ضمير خفيفة، أتذكر أنَّ أوربت أدخلتني إلى عالم قناة "ديزني"؛ حيث دلفت إلى حياتي الرائعة "دامو ستحيل"، وهي فتاة مُراهقة أُسندت إليها مهمة محاربة الجرائم حول العالم، من "ألذ" وأشهر وأفشل وأشر أعدائها، "الدكتور دراكن"، ومساعدته الحسناء خضراء اللون "شهيرة".

كانت "دامو" تُشعرني دائماً بالقوة الكامنة الخفية بداخلي، جعلتني أؤمن أنَّ قدري هو أنْ أصبح عميلة سرية، وجاسوسة مُحترفة، وأن أقع يوماً ما في غرام أعزّ أصدقائي ومساعدي الوحيد مدمن التاكو "موستا عد"، فقد كانت مثالاً للفتاة الناجحة القوية التي تُخطئ ولا ترفض الاعتراف بخطئها، وتعيش مشاكل المراهقة الحقيقية التي عانيت منها في ذلك الوقت، ما زلت أذكر كم كان يسخر مني أصدقائي حين كنت أخبرهم برغبتي المحمومة فى أن أصبح جاسوسة، فأرد بكل حمية قائلة: "لا شيء مستحيل عند آل ستحيل!".

بدأت حياتي تتغير بشكل يجعل الجاسوسية تمسك بتلابيب عقلي، وتتملك وجداني، حين خرجت من عباءة الرسوم المتحركة إلى عالمٍ أوسع وأبرح بكثير، عالم تصبح فيه معدات الجاسوسية حقيقة واقعة، ويصبح فيه العملاء السريون أكثر كفاءة وواقعية.. عالم السينما!

كان أول فيلم أراه للجاسوسية -بالطبع- فيلم "بوند، جيمس بوند"، أو العميل 007 من بطولة الوسيم "بيرس بروسنان"، وقررت بعدها أنْ أشاهد السلسلة بأكملها منذ أول فيلم من بطولة "باري نيلسون" 1954، وحتى آخر فيلم لـ"دانيال كريج"، المعروف باسم "سكاي فول" 2013.

ومع ولعي الشديد بشخصية جيمس، إلا أنني كنت دائماً ما أشعر بوجود نقص، شيء غير مكتمل، ولم أحب قط فكرة كونه زيراً للنساء رغم وسامته الشديدة، وحين علمت أنَّ مجموعة الأفلام هذه في الأصل مجموعة من الروايات وتحولت إلى سلسلة أفلام، بحثت عن المؤلف لأرسل له سائلة: "لماذا لا يحب امرأة واحدة فحسب؟!"، لكنني فوجئت بأنَّ المؤلف الأصلي قد توفي وتبعه آخر باسم مستعار، فتراجعت؛ لأنَّ من كان سبباً رئيسياً في ابتداع فكرة أنْ يحب جيمس ألف امرأة في فيلم واحد يُحاسب الآن، وأقنعني عقلي المراهق بأن الله يحاسبه على قلب كل امرأة أوقعها جيمس في هواه.

ثم فاجأتني الرائعة "أنجلينا جولي"، بطلة أفلام الحركة والأكشن، بفيلم "سولت"، ومن ورائها الحسناء "كيت بلانشيت"، في "هانا"، فوجدت ما كنت أشعر بنقصانه في أفلام جيمس، التي لم أجد نفسى فيها، فأنا جاسوسة ولست جاسوساً، وظللت هكذا، أنقب خلف أفلام الجاسوسية ذات البطولة النسائية، لكنّي لم أجد حتى النذر اليسير، حتى ظهرت لي ميليسا مكارثي في فيلم "الجاسوسة"، الذي جعلني أُجرجر ورائي توقعاتي العالية، ولم يخِب ظني مطلقاً.

بالطبع يجب أنْ يمتلئ رأسك بالتوقعات العالية حين ترى هؤلاء الأربعة في أفيش فيلم واحد، ويجب أن تقف بكل إجلال في حضرة هذه الظاهرة الكونية الهوليوودية التي لن تتكرر، وتعطيها كل الاحترام والتبجيل.

مخرج هذا الفيلم قد أخرج لنا من قبل فيلمي "الإشبينات" و"حرارة"، وهما فيلمان من بطولة "ميليسا مكارثي" أيضاً، لعبت فيهما دورين رائعين وأثبتت نفسها ككوميديان حقيقية، ومن ثم فهذا هو التعاون الثالث بينهما، وأتمنى ألّا يكون الأخير!

لن أتحدث كثيراً عن "جود لو" أو العميل "برادلي فاين"، فهو بالفعل "فاين" للغاية، فضلاً عن قدراته التمثيلية الرائعة، يكفينا أنْ يظهر لنا على الشاشة في بزة رسمية غامزاً بعينيه الزرقاوين ممشطاً شعره الأشقر بيده إلى الوراء، لا أعتقد أننا سنريد شيئاً آخر أكثر من هذا!

أما "جايسون ستاتهم"، فهو بمثابة الكرز الصغير الذي يوضع على قمة كعكة لذيذة؛ ليجعلها أكثر اشتهاءً وجمالاً وبهجة.

فاجأني "جايسون" بدوره كثيراً، خصوصاً أنني لم أعهده سوى في أفلام الأكشن والقتل والتدمير، دائماً ما يطل علينا من الشاشة الفضية الصغيرة في شكل رجلٍ وسيمٍ خانه كل أصدقائه، لا تعلم إنْ كان شقياً أم خيراً، ولكنه في النهاية يقتل جميع الأشرار ويخرج من الانفجارات حيّاً يُرزق، لكن هنا، تلون كحرباء صغيرة، فقد كان "جايسون" الرجلَ الأبله المتعجرف على حق، لا تتخيل حجم صدمتي عزيزي القارئ؟ تخيل نفسك تضحك في فيلمٍ من بطولة "أمينة رزق"، الراعي الرسمي للنكد المصري، أحسستَ بالفاجعة؟ هذا بالضبط هو ما أحسستُ به حين وجدتني أضحك حد البكاء رغماً عني من "جايسون"! وما جعلني أهيم به أكثر هو أنه لم يترك فيلماً واحداً له إلا وتناوله في حواره أثناء فيلم "الجاسوسة" بالسخرية والنقد اللاذع، وقد كان تمثيله مُتقناً ومُقنعاً لدرجة لا تجعلك تصدق أنَّ هذا هو نفس الـ"جايسون ستاتهم" ذي النظارات الشمسية العريضة والآلي الذي لا تنفد ذخائره أبداً، أتمنى أنْ يُكرر "جايسون" هذه التجربة ويُخرج لنا المزيد من أفلام الكوميديا.

آثرت أن أترُك "ميليسا مكارثي" إلى النهاية، ليس فقط لأنني أحبها كثيراً، وليس فقط لقدراتها التمثيلية التي لا غبار عليها، لكن أيضاً لأنَّ دور "سوزن كوبر" يستحق أنْ يتم تناوله بشيء من التركيز.

هي عميلة سرية لكن من نوع آخر، تجلس خلف مكتب صغير ببناية "سي آي إيه"، تعمل كعينٍ وأذنٍ للعميل الميداني "برادلي فاين"، الذي تحبه بشدة، لكنه أكثر وسامة وحماقة من أنْ يدرك هذا، وحين يموت في مهمة ميدانية، تطلب سوزن من مديرتها أنْ تعطيها فرصة العمل الميداني؛ لتلحق بالمجرم الذي قتل حبيبها. وتتوالى الأحداث في إطار كوميدي شيق للغاية، تُسافر "سوزن" إلى باريس وفيينا وروما، تكتشف عالماً آخر وراء العالم الصغير المحدود الذي تعرفه، تكتشف أنَّ الكون أكثر رحابة مما تدركه حواسها الخمس في ذلك المكتب الضيق ببناية الـ"سي آي إيه"، وقد أسفرت رحلتها هذه عن تغيُّر كبير في شخصيتها، ويمكنني أنْ أُجزم أنَّ كل من يصاحبها في هذه الرحلة من خلال مشاهدته للفيلم لمدار ساعتين، سيشعر أنه قد استحال شخصاً آخر!

علمتني "سوزن" أنْ أتحرر... أتحرر من نفسي، ومن نظرة الناس إليّ على أنني فتاة ممتلئة يجب أنْ تخجل من نفسها إذا ما ارتدت فستاناً، ولا يصح أنْ تركض، يجب أنْ تظل دائماً حبيسة جسدها إلى أنْ يمن الله عليها وتفقد بضعة كيلوغرامات، علمتني أن أجازف، فماذا لديَّ بعد لأخسره؟!!

علمتنى أنْ أنطلق.. أنْ أرى العالم ولا أدخر جهداً أو وقتاً أو مالاً في هذا، علمتني أنْ أحيا لا أنْ أعيش فحسب، فكل غدٍ محسوب في عمري يجب أنْ يكون ذا قيمة، وكل يوم أعيشه يجب أنْ يضيف لي لا أنْ ينتقص مني، علمتني أنْ أركض وراء شغفي، وألّا أفقد الثقة بنفسي أو بأحلامي أبداً، أنْ أُنحّي الرجل الذي يُحجم من طموحي ويُقلل من إنجازاتي ويسعى لأخذ مكان استحققته بجدارة في عملي جانباً حتى وإنْ كنت أعشقه.

علمتني أنني امرأة قادرة وقوية، علمتني ألّا أجلس خلف مكتب صغير أُراقب الأيام تمر من أمام عينيّ دون أنْ أفعل شيئاً، علمتني أنْ أعمل ما أحب حتى أحب ما أعمل، علمتني أنْ أنتفض وأنْ أصنع مجدي بيدي، علمتني أنَّ الصداقة الحقّة هي أهم مكونات خلطة النجاح السرية، وأنّ من ساندنا في أحزاننا أولى بأن نشاركه نجاحاتنا، علمتني أنه لا يوجد تناقض أبداً إذا ما كنتُ امرأة رقيقة، تحب حد الوله، وتخلص حد الفناء، وتعشق الحياة والأصدقاء، وفي نفس الوقت قوية متمرسة في عملي، حتى وإن كان عملي هذا يتطلب أنْ أقتل أحد الأشرار بدم بارد، أبهرتني "سوزن" بقوتها، أبهرتني بتحديها للموقف وإصرارها على السير إلى نهاية الطريق.

نزلت "سوزن كوبر"، ذات الـ44 عاماً، التي كان يراها كل من حولها كامرأة وحيدة، بائسة، ممتلئة، لا علاقات لها، وبعد جلوسها خلف مكتبها لسنوات- إلى ميدان الجاسوسية، حملت سلاحها، قصت شعرها، سافرت إلى أجمل مدن العالم وقتلت الأشرار، وأتمت المهمة على أكمل وجه، وبهذا استطاعت أن تحقق أحلامها، لربما إذاً يتحقق حلم راود فتاة منذ أنْ كانت في السادسة من عمرها وحتى الثالثة والعشرين، بأن تصبح عميلة سرية وجاسوسة ميدانية يوماً ما!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
Viewing all 23357 articles
Browse latest View live