تطلّ الذكرى الخامسة لثورة فبراير 2011 - كما يسميها الليبيون - وقد آلت الأحداث في البلاد مآلاً صعباً وسيئاً بعد التغييرات والصدامات التي شهدتها البلاد.
بالطبع لم تكن الثورة الليبية استثناءً عن الثورات التي عاشتها البشرية، فقد يصبح رفاق الثورة يوماً ما من أشد الأعداء عندما تحاول كل فئة الاستئثار بالثورة لنفسها وإقصاء الآخر، وهذا ما وقع بالفعل في ليبيا، ما دفع بالكثيرين إلى استحضار الجدلية الشهيرة التي تقول: "الثورة تأكل أبناءها"، ليرد البعض بتصرف: "أبناؤها يأكلونها".
أبرز سمات هذه الجدلية قد تتمثل في حالة الانقسام الحاصلة في البلاد والاصطفافات التي نجمت عنها سواء كانت سياسية أو جهوية أو عسكرية، والتي يراها البعض نتاجاً لثورة غير ناضجة، خرجت من تلابيب الطغاة إثر عقود الجهل والتخلف وانعدام الانتماء الوطني التي أسّسوا لها، فهي كانت نتيجة حتمية لمعادلة صفرية.
يأتي هذا على عكس الثورات التي شهدتها أوروبا نتيجة التراكم المعرفي وتشكل الوعي الجمعي لشعوبها، فانفجرت بوجه طغاتها ونسقت صفوفها وحددت مسؤولياتها، وهنا تتهم الثورة بأنها تأكل أبناءها بعد أن أطعموها من تضحياتهم وناضلوا في سبيلها.
من السمات البارزة أيضاً، تحول رفاق الثورة أمس إلى أعداء اليوم، وقتالهم في خنادق مختلفة بعد أن قاتلوا جنباً إلى جنب في خندق واحد إبان الثورة.
فقد ادعى كل طرف بأنه يمثل الثورة واحتكر حمايتها لنفسه، وخوّن أو أقصى أو هدّد كل من لم يقف تحت رايته بالسجن أو القتل، على مبدأ "أنا الثورة والثورة أنا، فمن لم يكن معي فهو ليس مع الثورة".
كان هذا أخطر سلاح وأشده فتكاً، فقد أدمى الجميع ودفع الآخر للتبرؤ من الثورة وتخوين كل من شارك فيها، وهنا بدأ أبناء الثورة بأكل الثورة.
صراع متشابك ثنائي الأبعاد، بعده الأول كلاسيكي يتجلى في صراع بين الجهوية والحزبية ومراكز القوة الأخرى حول قيادة الدولة والاستيلاء على مقدراتها.
وبعده الثاني نفسي اجتماعي، يتمثل في قيمة التغيير، ورغبة شريحة من المجتمع به، بهدف الانتقال من الحالة النمطية التي كانت سائدة إلى أخرى جديدة بكل ما فيها من قيم ومبادئ وسلوكيات حياة.
يأتي هذا في مقابل رفض شريحة أخرى لهذا التغيير، وتمسّكها بالنمط المعتاد كما هو، مدفوعين برهبة وخوف من المجهول المتمثل بالحالة الجديدة ومتغيراتها التي لا يعرفونها ولم يعيشوها ولا يعلمون إن كانوا سيألفونها أم لا.
هذه الحالة شبيهة بحالة الجنين البيولوجية الذي يكون في بيئة آمنة ضمن الرحم، ثم يطلق صرخة الألم عند الولادة وعندما يكبر وتواجهه المصاعب فيتمنى العودة إلى بيئة الرحم.
يحاول البعض التمسّك بالنمط أو إعادة إنتاجه رافضاً التغيير الذي أحدثته الثورة. فالثورة نقلت المجتمع من الحكم الشمولي إلى حكم تعددي متنوع، يتم فيه التداول على السلطة وفق آليات ديمقراطية.
هذا يمثل للبعض تهديداً حقيقياً على مستوى النخبة والطامعين بالسلطة، لكن اللافت أنه وجد له آذان صاغية عند شريحة من المجتمع التي رأت بعدما آلت إليه حال البلاد خلال 5 سنوات من التغيير، أن إلغاء حالة التعددية الحزبية، وعودة حكم العسكر للبلاد، وهي دعوات كان ينادي بها العقيد القذافي، هي الحالة الأمثل للمجتمع الليبي.
هذا التغيير أيضاً أبرز المكونات الثقافية الليبية التي كانت مطموسة في الحالة النمطية إبان العهد السابق، وأدى إلى الاعتراف بحقوق المكونات الثقافية، التبو والطوارق والأمازيغ، رغم أن هناك تنازعاً حول مستوى هذه الحقوق ونوعيتها وسقفها الأعلى.
وكشف هذا عن مَن يدعم هذا التوجه كونه يؤمن بقيم التغيير بالمطلق وإن كانت تضر بمصالحه، وبين من يرفض الاعتراف بهذه الحقوق ومنحها، مترحماً على العهد السابق الذي لم يكن يسمح لهؤلاء بإبراز هويتهم الثقافية بأقل الأحوال.
هنا يبرز لدى المتابع مرة أخرى انقسام المجتمع حول قيمة التغيير، فالبعض يؤمن بها بالمطلق والبعض يرفضها إن كانت لمكون آخر، وآخرون يرفضونها بالمطلق أيضا.
ألحقت الثورة تغييراً كبيراً في المشهد الإعلامي الليبي الذي كانت تسيطر عليه حالة من الخشبية في الخطاب، إضافة إلى كونه أداة لتلميع السلطة من جهة ولتشويه معارضيها من جهة أخرى.
فتح التغيير آفاقاً واسعة لحرية الرأي والانتقاد إلى حد كبير برغم أن الظروف الموضوعية التي شهدتها البلاد تحد من سقف هذه الحرية وكسر تابوهات الخطاب الإعلامي السلطوي، وغيّر من نسق الأحداث وآليات الممارسة من جهة، وأداة التعبير عن الاختلاف من جهة أخرى.
فقد غيّر شكل الاختلاف مع الرأي الآخر من الاقتتال أو الإقصاء والسجن إلى الحوار والنقد والنقاش.
هذا كان صادماً للكثيرين الذين اعتادوا الحالة السابقة، ولم يستطيعوا التكيف والانسجام ضمن حالة التغيير هذه، فتراهم يحمّلون الإعلام مسؤولية الفتنة والاقتتال والانقسام الحاصل، ويترحمون على إعلام تفاجأ مشاهدوه يوماً ما بحذاء عميد الحكام العرب على الشاشة.
بالطبع لم تكن الثورة الليبية استثناءً عن الثورات التي عاشتها البشرية، فقد يصبح رفاق الثورة يوماً ما من أشد الأعداء عندما تحاول كل فئة الاستئثار بالثورة لنفسها وإقصاء الآخر، وهذا ما وقع بالفعل في ليبيا، ما دفع بالكثيرين إلى استحضار الجدلية الشهيرة التي تقول: "الثورة تأكل أبناءها"، ليرد البعض بتصرف: "أبناؤها يأكلونها".
الثورة تأكل أبناءها
أبرز سمات هذه الجدلية قد تتمثل في حالة الانقسام الحاصلة في البلاد والاصطفافات التي نجمت عنها سواء كانت سياسية أو جهوية أو عسكرية، والتي يراها البعض نتاجاً لثورة غير ناضجة، خرجت من تلابيب الطغاة إثر عقود الجهل والتخلف وانعدام الانتماء الوطني التي أسّسوا لها، فهي كانت نتيجة حتمية لمعادلة صفرية.
يأتي هذا على عكس الثورات التي شهدتها أوروبا نتيجة التراكم المعرفي وتشكل الوعي الجمعي لشعوبها، فانفجرت بوجه طغاتها ونسقت صفوفها وحددت مسؤولياتها، وهنا تتهم الثورة بأنها تأكل أبناءها بعد أن أطعموها من تضحياتهم وناضلوا في سبيلها.
جفّ حليب الثورة فأكلها صغارها
من السمات البارزة أيضاً، تحول رفاق الثورة أمس إلى أعداء اليوم، وقتالهم في خنادق مختلفة بعد أن قاتلوا جنباً إلى جنب في خندق واحد إبان الثورة.
فقد ادعى كل طرف بأنه يمثل الثورة واحتكر حمايتها لنفسه، وخوّن أو أقصى أو هدّد كل من لم يقف تحت رايته بالسجن أو القتل، على مبدأ "أنا الثورة والثورة أنا، فمن لم يكن معي فهو ليس مع الثورة".
كان هذا أخطر سلاح وأشده فتكاً، فقد أدمى الجميع ودفع الآخر للتبرؤ من الثورة وتخوين كل من شارك فيها، وهنا بدأ أبناء الثورة بأكل الثورة.
قيمة التغيير
صراع متشابك ثنائي الأبعاد، بعده الأول كلاسيكي يتجلى في صراع بين الجهوية والحزبية ومراكز القوة الأخرى حول قيادة الدولة والاستيلاء على مقدراتها.
وبعده الثاني نفسي اجتماعي، يتمثل في قيمة التغيير، ورغبة شريحة من المجتمع به، بهدف الانتقال من الحالة النمطية التي كانت سائدة إلى أخرى جديدة بكل ما فيها من قيم ومبادئ وسلوكيات حياة.
يأتي هذا في مقابل رفض شريحة أخرى لهذا التغيير، وتمسّكها بالنمط المعتاد كما هو، مدفوعين برهبة وخوف من المجهول المتمثل بالحالة الجديدة ومتغيراتها التي لا يعرفونها ولم يعيشوها ولا يعلمون إن كانوا سيألفونها أم لا.
هذه الحالة شبيهة بحالة الجنين البيولوجية الذي يكون في بيئة آمنة ضمن الرحم، ثم يطلق صرخة الألم عند الولادة وعندما يكبر وتواجهه المصاعب فيتمنى العودة إلى بيئة الرحم.
أبرز ملامح التغيير
يحاول البعض التمسّك بالنمط أو إعادة إنتاجه رافضاً التغيير الذي أحدثته الثورة. فالثورة نقلت المجتمع من الحكم الشمولي إلى حكم تعددي متنوع، يتم فيه التداول على السلطة وفق آليات ديمقراطية.
هذا يمثل للبعض تهديداً حقيقياً على مستوى النخبة والطامعين بالسلطة، لكن اللافت أنه وجد له آذان صاغية عند شريحة من المجتمع التي رأت بعدما آلت إليه حال البلاد خلال 5 سنوات من التغيير، أن إلغاء حالة التعددية الحزبية، وعودة حكم العسكر للبلاد، وهي دعوات كان ينادي بها العقيد القذافي، هي الحالة الأمثل للمجتمع الليبي.
هوية المكونات الثقافية
هذا التغيير أيضاً أبرز المكونات الثقافية الليبية التي كانت مطموسة في الحالة النمطية إبان العهد السابق، وأدى إلى الاعتراف بحقوق المكونات الثقافية، التبو والطوارق والأمازيغ، رغم أن هناك تنازعاً حول مستوى هذه الحقوق ونوعيتها وسقفها الأعلى.
وكشف هذا عن مَن يدعم هذا التوجه كونه يؤمن بقيم التغيير بالمطلق وإن كانت تضر بمصالحه، وبين من يرفض الاعتراف بهذه الحقوق ومنحها، مترحماً على العهد السابق الذي لم يكن يسمح لهؤلاء بإبراز هويتهم الثقافية بأقل الأحوال.
هنا يبرز لدى المتابع مرة أخرى انقسام المجتمع حول قيمة التغيير، فالبعض يؤمن بها بالمطلق والبعض يرفضها إن كانت لمكون آخر، وآخرون يرفضونها بالمطلق أيضا.
الإعلام الحر
ألحقت الثورة تغييراً كبيراً في المشهد الإعلامي الليبي الذي كانت تسيطر عليه حالة من الخشبية في الخطاب، إضافة إلى كونه أداة لتلميع السلطة من جهة ولتشويه معارضيها من جهة أخرى.
فتح التغيير آفاقاً واسعة لحرية الرأي والانتقاد إلى حد كبير برغم أن الظروف الموضوعية التي شهدتها البلاد تحد من سقف هذه الحرية وكسر تابوهات الخطاب الإعلامي السلطوي، وغيّر من نسق الأحداث وآليات الممارسة من جهة، وأداة التعبير عن الاختلاف من جهة أخرى.
فقد غيّر شكل الاختلاف مع الرأي الآخر من الاقتتال أو الإقصاء والسجن إلى الحوار والنقد والنقاش.
هذا كان صادماً للكثيرين الذين اعتادوا الحالة السابقة، ولم يستطيعوا التكيف والانسجام ضمن حالة التغيير هذه، فتراهم يحمّلون الإعلام مسؤولية الفتنة والاقتتال والانقسام الحاصل، ويترحمون على إعلام تفاجأ مشاهدوه يوماً ما بحذاء عميد الحكام العرب على الشاشة.