أصبحت قضية انتهاكات النظام لكرامة الإنسان وحقوقه داخل السجون وخارجها انتهاكات لا مثيل لها في تاريخ مصر الحديث، واليوم تشهد مصر إضراب المعتقلين السياسيين عن الطعام داخل أسوأ سجونها سمعة وهو سجن العقرب، والتضامن مع هؤلاء بكافة الطرق المشروعة الممكنة واجب أخلاقي وإنساني قبل أن يكون سياسي.
وامتدت الانتهاكات لتشمل قطاعات واسعة من المصريين، وستستمر لتصل الجميع بما فيهم هؤلاء الذين يدعمون اليوم هذه السياسة ويقدمون لها التبريرات.
والسبب بسيط للغاية (وتم التحذير منه قبل 30 يونيو ولم تفهمه النخب السياسية إلا متأخرا جدا)، وهو أن هذا النمط من أنظمة الحكم يخاصم في جوهره الشعب كله لأنه يعمل لمصلحة قلة تتمتع بالامتيازات والاستثناءات، ولأنه يقوم أيضا على استراتيجية تقسيم المجتمع إلى فريقين، فريق يسير مع النظام بالدعم والتهليل (أو السكوت)، وفريق يضم بقية الشعب.
الشعب في مصر يمثل خطرا على النظام لأنه متمسك بكرامته وحقوقه ومطالبه العادلة، وبالتالي فهو خصم للنظام يجب قمعه بكل الطرق الممكنة، يستوي في هذا من ينتقد سياسات النظام أو يطالب بحقوقه المشروعة، أو من يرفض دعمه علنا أو يحذر من الكوارث التي يرتكبها النظام ومن النهاية المؤلمة التي تسير لها البلاد.
إن القمع والمحاكمات الجائرة والإعدامات لا تقيم نظاما سياسيا مهما طال الزمن، مصر الآن ليست مصر الستينيات، ولا باكستان السبعينيات، ولا تركيا الخمسينيات، والاختلاف هو أن هناك جيلا بأكمله ذاق طعم الحرية ولا يزال يريدها ولا يمكن أن يتنازل عن سعيه لها ولو فقد حياته في سبيلها، وهذا الجيل يعيش في عصر السماوات المفتوحة ومعه أدوات تواصل لم تكن موجودة في السابق.
ما العمل؟
من المهم هنا لكل من يريد إنقاذ مصر وكل من يعتبر نفسه جزءا من ثورة يناير وأهدافها أن يدرك أمرين أساسيين:
الأول:
إدارك أن فداحة الثمن لا يمثل نهاية التاريخ في مصر ولا يجب أن تكون مبررا للقول إنه لا أمل، فلا يوجد تغيير بلا ثمن لاسيما في حالات التغيير الكبرى، ولا توجد انقلابات أو ثورات مضادة دون اعتقالات ونفي وإعدامات، ولا يوجد نظام واحد من أنظمة الحكم الشمولي لا يستخدم هذه الأدوات لترويع الجماهير وزرع الخوف واليأس في نفوسهم عن طريق الإعلام الموجه، ويظل الثمن الذي تدفعه مصر الآن أقل من الأثمان التي دفعتها شعوب أخرى، هذه هي السياسة، وهذا هو ثمن أخطاء القوى السياسية، والاستهانة بكل التحذيرات المخلصة وبتجارب الآخرين.
في الأرجنتين، خلّف انقلاب 1976 وراءه عشرات الآلاف من القتلى و13 ألف من المختفين حسب المصادر الرسمية، فضلا عن هزيمة عسكرية مذلة في الفوكلاند، وفي البرازيل، اعتقل نحو خمسين ألفا في الشهور الأولي لانقلاب 1964، وطرد للمنفى عشرة آلاف، وفي تشيلي، قتل نحو 3200 شخص واعتقل أربعون ألفا بعد انقلاب 1973، وفي الهند، انتهي صراع غاندي "غير العنيف" لأجل الاستقلال بنحو نصف مليون قتيل، وخلال أربع سنوات (1990-1994) وبعد إطلاق سراح مانديلا سقط نحو 1500 قتيل في عنف سياسي في جنوب إفريقيا، وفي كينيا، بعد الانفتاح السياسي وخلال عقد كامل قتل نحو ألفي شخص وشُرد نصف مليون.
وبرغم هذه الأثمان انتقلت كل هذه الدول إلى الديمقراطية، بعد أن أدركت القوى الحية فيها والعقلاء داخل كل مؤسسة وكل تيار خطورة ما كانوا فيه وبعد أن قبل الجميع حتمية العمل المشترك لانقاذ بلدانهم كما هو وارد في السطور التالية.
الثاني:
هذه الانتهاكات الجسيمة (التي تمثل ركنا أساسيا لمنظومة الحكم كما أشرنا) قد تمثل أيضا نهاية لهذا النمط من الحكم إذا أحسنت القوى المجتمعية والسياسية استخدامها للحفاظ على المواطنين وكرامتهم ودولتهم.
إن هذه الأنظمة لا تتغير من تلقاء نفسها، لابد من وجود وعي مجتمعي ضاغط ومن وجود قوة سياسية مضادة للأنظمة، وفي حالات أخرى لم يتم مواجهة مثل هذه النظم إلا من خلال تكتل وطني وراء هدف استراتيجي واحد وبمشروع سياسي مشترك وبنضال سلمي ممتد.
والمشكلة في اعتقادي وراء إطالة هذه المشكلة في مصر ليس في مهارة النظام وسياساته القمعية، إنما في فشل القوى المعارضة له في التنظيم وفي استثمار أخطاء النظام لإنقاذ المجتمع والدولة.
ولهذا فقد حان الوقت لأن تتوارى عن الأنظار الأشخاص الذين ساهموا في كوارث الأعوام الخمسة الماضية من جميع التيارات والمؤسسات، وأن يتقدم الصفوف العقلاء من كل تيار سياسي ومن كل مؤسسة وطنية، وحان وقت الارتفاع إلى حجم المسؤولية التاريخية والتداعي لإنقاذ مصر من مصير كارثي، وحان وقت تقديم تنازلات مؤلمة والبدء في تحركات متبادلة ومتزامنة على طاولة حوار وطني يجمع كل من له مصلحة في ثورة يناير ومطالبها العادلة، وتناقش من خلالها كل المخاوف المتبادلة بين هذه الأطراف ويتم وضع معالجات وضمانات محددة لها.
حان وقت الاتفاق على مشروع وطني جامع يقوم على مواجهة دولة الاستبداد والأجهزة السرية، ويتم فيه الاتفاق على قيم عليا حاكمة لمرحلة انتقالية جديدة من ثلاث سنوات على الأقل تتولى فيها مسؤولية البلاد حكومة وطنية من التكنوقراط، تكون مدعومة سياسيا من جميع القوى السياسية ومن مؤسسات الدولة، وتقوم هذه الحكومة بإدارة البلاد سياسيا واتخاذ عدة قرارات عاجلة لتوفير الاحتياجات المعيشية ورفع العبء عن المواطنين، وتنقية التشريعات والقوانين، وتحقيق مصالحة سياسية ومجتمعية شاملة، بجانب رعاية عدد من فرق متخصصة من الخبراء تكلف بمهام محددة، أهمها:
1- تأسيس ووضع أسس النظام الديمقراطي البديل بقيمه ومبادئه ومؤسساته وضوابطه وضماناته، بجانب سبل وبرامج تمكين المجتمع بكافة فئاته وطبقاته سياسيا.
2- نظام للعدالة الانتقالية يكشف الحقيقة، ويحقق القصاص للشهداء والمصابين والمعتقلين، ويحقق الإصلاح التشريعي والمؤسسي لكافة أجهزة الدولة وعلى رأسها جهاز الشرطة، ومؤسسة القضاء، والعلاقات المدنية العسكرية، والجهاز الإداري للدولة، والإعلام.
3- نظام للعدالة الاجتماعية يضع معالم وسياسات وبرامج لمعالجات جذرية لكل أوجه الخلل القائمة الآن، ويمكن من خلاله تمكين كافة فئات الشعب اجتماعيا واقتصاديا.
وامتدت الانتهاكات لتشمل قطاعات واسعة من المصريين، وستستمر لتصل الجميع بما فيهم هؤلاء الذين يدعمون اليوم هذه السياسة ويقدمون لها التبريرات.
والسبب بسيط للغاية (وتم التحذير منه قبل 30 يونيو ولم تفهمه النخب السياسية إلا متأخرا جدا)، وهو أن هذا النمط من أنظمة الحكم يخاصم في جوهره الشعب كله لأنه يعمل لمصلحة قلة تتمتع بالامتيازات والاستثناءات، ولأنه يقوم أيضا على استراتيجية تقسيم المجتمع إلى فريقين، فريق يسير مع النظام بالدعم والتهليل (أو السكوت)، وفريق يضم بقية الشعب.
الشعب في مصر يمثل خطرا على النظام لأنه متمسك بكرامته وحقوقه ومطالبه العادلة، وبالتالي فهو خصم للنظام يجب قمعه بكل الطرق الممكنة، يستوي في هذا من ينتقد سياسات النظام أو يطالب بحقوقه المشروعة، أو من يرفض دعمه علنا أو يحذر من الكوارث التي يرتكبها النظام ومن النهاية المؤلمة التي تسير لها البلاد.
إن القمع والمحاكمات الجائرة والإعدامات لا تقيم نظاما سياسيا مهما طال الزمن، مصر الآن ليست مصر الستينيات، ولا باكستان السبعينيات، ولا تركيا الخمسينيات، والاختلاف هو أن هناك جيلا بأكمله ذاق طعم الحرية ولا يزال يريدها ولا يمكن أن يتنازل عن سعيه لها ولو فقد حياته في سبيلها، وهذا الجيل يعيش في عصر السماوات المفتوحة ومعه أدوات تواصل لم تكن موجودة في السابق.
ما العمل؟
من المهم هنا لكل من يريد إنقاذ مصر وكل من يعتبر نفسه جزءا من ثورة يناير وأهدافها أن يدرك أمرين أساسيين:
الأول:
إدارك أن فداحة الثمن لا يمثل نهاية التاريخ في مصر ولا يجب أن تكون مبررا للقول إنه لا أمل، فلا يوجد تغيير بلا ثمن لاسيما في حالات التغيير الكبرى، ولا توجد انقلابات أو ثورات مضادة دون اعتقالات ونفي وإعدامات، ولا يوجد نظام واحد من أنظمة الحكم الشمولي لا يستخدم هذه الأدوات لترويع الجماهير وزرع الخوف واليأس في نفوسهم عن طريق الإعلام الموجه، ويظل الثمن الذي تدفعه مصر الآن أقل من الأثمان التي دفعتها شعوب أخرى، هذه هي السياسة، وهذا هو ثمن أخطاء القوى السياسية، والاستهانة بكل التحذيرات المخلصة وبتجارب الآخرين.
في الأرجنتين، خلّف انقلاب 1976 وراءه عشرات الآلاف من القتلى و13 ألف من المختفين حسب المصادر الرسمية، فضلا عن هزيمة عسكرية مذلة في الفوكلاند، وفي البرازيل، اعتقل نحو خمسين ألفا في الشهور الأولي لانقلاب 1964، وطرد للمنفى عشرة آلاف، وفي تشيلي، قتل نحو 3200 شخص واعتقل أربعون ألفا بعد انقلاب 1973، وفي الهند، انتهي صراع غاندي "غير العنيف" لأجل الاستقلال بنحو نصف مليون قتيل، وخلال أربع سنوات (1990-1994) وبعد إطلاق سراح مانديلا سقط نحو 1500 قتيل في عنف سياسي في جنوب إفريقيا، وفي كينيا، بعد الانفتاح السياسي وخلال عقد كامل قتل نحو ألفي شخص وشُرد نصف مليون.
وبرغم هذه الأثمان انتقلت كل هذه الدول إلى الديمقراطية، بعد أن أدركت القوى الحية فيها والعقلاء داخل كل مؤسسة وكل تيار خطورة ما كانوا فيه وبعد أن قبل الجميع حتمية العمل المشترك لانقاذ بلدانهم كما هو وارد في السطور التالية.
الثاني:
هذه الانتهاكات الجسيمة (التي تمثل ركنا أساسيا لمنظومة الحكم كما أشرنا) قد تمثل أيضا نهاية لهذا النمط من الحكم إذا أحسنت القوى المجتمعية والسياسية استخدامها للحفاظ على المواطنين وكرامتهم ودولتهم.
إن هذه الأنظمة لا تتغير من تلقاء نفسها، لابد من وجود وعي مجتمعي ضاغط ومن وجود قوة سياسية مضادة للأنظمة، وفي حالات أخرى لم يتم مواجهة مثل هذه النظم إلا من خلال تكتل وطني وراء هدف استراتيجي واحد وبمشروع سياسي مشترك وبنضال سلمي ممتد.
والمشكلة في اعتقادي وراء إطالة هذه المشكلة في مصر ليس في مهارة النظام وسياساته القمعية، إنما في فشل القوى المعارضة له في التنظيم وفي استثمار أخطاء النظام لإنقاذ المجتمع والدولة.
ولهذا فقد حان الوقت لأن تتوارى عن الأنظار الأشخاص الذين ساهموا في كوارث الأعوام الخمسة الماضية من جميع التيارات والمؤسسات، وأن يتقدم الصفوف العقلاء من كل تيار سياسي ومن كل مؤسسة وطنية، وحان وقت الارتفاع إلى حجم المسؤولية التاريخية والتداعي لإنقاذ مصر من مصير كارثي، وحان وقت تقديم تنازلات مؤلمة والبدء في تحركات متبادلة ومتزامنة على طاولة حوار وطني يجمع كل من له مصلحة في ثورة يناير ومطالبها العادلة، وتناقش من خلالها كل المخاوف المتبادلة بين هذه الأطراف ويتم وضع معالجات وضمانات محددة لها.
حان وقت الاتفاق على مشروع وطني جامع يقوم على مواجهة دولة الاستبداد والأجهزة السرية، ويتم فيه الاتفاق على قيم عليا حاكمة لمرحلة انتقالية جديدة من ثلاث سنوات على الأقل تتولى فيها مسؤولية البلاد حكومة وطنية من التكنوقراط، تكون مدعومة سياسيا من جميع القوى السياسية ومن مؤسسات الدولة، وتقوم هذه الحكومة بإدارة البلاد سياسيا واتخاذ عدة قرارات عاجلة لتوفير الاحتياجات المعيشية ورفع العبء عن المواطنين، وتنقية التشريعات والقوانين، وتحقيق مصالحة سياسية ومجتمعية شاملة، بجانب رعاية عدد من فرق متخصصة من الخبراء تكلف بمهام محددة، أهمها:
1- تأسيس ووضع أسس النظام الديمقراطي البديل بقيمه ومبادئه ومؤسساته وضوابطه وضماناته، بجانب سبل وبرامج تمكين المجتمع بكافة فئاته وطبقاته سياسيا.
2- نظام للعدالة الانتقالية يكشف الحقيقة، ويحقق القصاص للشهداء والمصابين والمعتقلين، ويحقق الإصلاح التشريعي والمؤسسي لكافة أجهزة الدولة وعلى رأسها جهاز الشرطة، ومؤسسة القضاء، والعلاقات المدنية العسكرية، والجهاز الإداري للدولة، والإعلام.
3- نظام للعدالة الاجتماعية يضع معالم وسياسات وبرامج لمعالجات جذرية لكل أوجه الخلل القائمة الآن، ويمكن من خلاله تمكين كافة فئات الشعب اجتماعيا واقتصاديا.
هذه التدوينة نشرت على موقع البديل، للاطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.