يعيش مئات وربما آلاف من الأطفال المهاجرين على شواطئ فرنسا دون صحبة آبائهم وسط ظروف سيئة للغاية. في النهار يلعبون كرة القدم، بينما تسمع سعالهم أثناء الليل داخل المخيمات المؤقتة التي يبيتون بها. وأغلبهم ينتظرون على أمل الحصول على حق اللجوء في بريطانيا.
لا يستطيع أحد أن يؤكد عدد هؤلاء الأطفال. وحتى الآن لا توجد محاولة لإحصاء أعدادهم. ففي مخيم "الغابة" بمدينة كاليه وجدت إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية أن عدد الأطفال القُصّر غير المصحوبين بآبائهم بلغ 305 أطفال خلال الشهر الماضي، وسجلت وكالات حماية الطفل الفرنسية نحو 1600 حالة بالبلاد خلال عام 2015.
ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك؛ نظراً لعدم تسجيل كل الحالات، حسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الأحد 27 مارس/آذار 2016.
وخلال الأسابيع الماضية، أثارت فكرة الأطفال البائسين المقيمين على مسافة 20 ميلاً من دوفر استياءً في بريطانيا. وكان زعيم المعارضة جيريمي كوربن والممثل جودي لو من بين هؤلاء الذين أعربوا عن قلقهم الشديد.
ومع ذلك، كانت للتقارير والصور التي جاءت من فرنسا أهمية خاصة لدى الناجين من الحرب العالمية الثانية، حيث تم نقل نحو 10 آلاف طفل يهودي من أوروبا الخاضعة للاحتلال النازي إلى بريطانيا بين عامي 1939-1940.
واقترح ألف دابز، أحد الناجين عضو حزب العمل بمجلس اللوردات، إدخال تعديل على مشروع قانون الهجرة لاستقبال 3000 طفل لاجئ من أنحاء أوروبا.
وتم إقرار مشروع القانون يوم الاثنين بمجلس اللوردات بأغلبية 306 أصوات مقابل 204. وجاء ذلك في أعقاب خطاب خلال سبتمبر/أيلول الماضي قام بتوقيعه أكثر من 100 حاخام بريطاني وتوجيهه إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لحثه على استقبال 10 آلاف طفل على الأقل على مدار 6 شهور.
وكتب الحاخامات ضمن الرسالة قائلين: "فليكن نقل الأطفال اليهود خلال الحرب العالمية الثانية مصدر إلهامنا".
وخلال أحد الحوارات ذكر دابز البالغ من العمر 83 عاماً تجربته الخاصة – فقد كان واحداً بين 669 طفلاً من تشيكوسلوفاكيا تم إنقاذهم على يد سمسار البورصة نيكولاس وينتون – باعتبارها أحد الدوافع وراء مشروع القانون.
وُلد دابر في براغ عام 1932 لأب يهودي وأم غير يهودية، وبالتالي تم اعتباره يهودياً وفقاً للقوانين العنصرية للنازية. ووصل إلى محطة قطار شارع ليفربول بلندن في سن السادسة وعاش في بريطانيا منذ ذلك الحين.
وقال دابر: "أنا مدين لبريطانيا – وللأطفال – بأن أبذل قصارى جهدي لإقرار هذا الحكم ضمن القانون. الأطفال هم الأكثر عرضة للمخاطر ولتجارة البشر".
وتعد فيرا شوفيلد، البالغة من العمر 86 عاماً، واحدة من الناجين من الاجتياح النازي أيضاً. وتتذكر فيرا وداعَ والديها بمحطة القطار في براغ قائلة: "لم يدرك أحدنا أننا لن نرى أحداً من عائلاتنا ثانية"، مشيرة إلى مخاوفها حينذاك خشية ألا يستقبلها أحد في لندن.
وقد وجدت شوفيلد إحدى العائلات من بيري سانت إدموند التي تقيم على مسافة 80 ميلاً من لندن في انتظارها وأصبحت ابنة لهم بالتبني. وأصبحت فيرا معلمة متخصصة في تعليم الطلاب الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية كلغة ثانية.
وذكرت بشأن الأطفال في كاليه وأماكن أخرى من أوروبا قائلة: "أعتقد أن هناك أماكن في بريطانيا توجد فيها عائلات يمكنها استقبالهم. وسوف يحظى الأطفال بفرصة حياة كتلك التي عشتها".
وأصبح ونتون الذي توفي في يوليو/تموز عن عمر يناهز 106 عاماً بطلاً بريطانياً قومياً، وأصبح الجميع يتذكرون عملية نقل الأطفال كجزء مما أطلق عليه ونستون تشيرشل "أفضل أوقات" بريطانيا.
وقال جوناثان ساكس، كبير حاخامات بريطانيا سابقاً: "أرى أن ذلك بمثابة شعلة مضيئة وسط أحلك ليالي البشرية. فإن عملية إنقاذ 10 آلاف طفل تخلق 10 آلاف قصة أمل جديدة".
وبعد مضي 70 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبحت تلك الرواية مصدر فخر وتباهي الحكومة البريطانية.
وفي العام الماضي على سبيل المثال، كشف كاميرون عن خطط لإنشاء أول متحف تذكاري في لندن مخصص لمحرقة اليهود. وينص تقرير بناء المتحف على ما يلي "في ذكرى المحرقة، تتذكر بريطانيا كيف تصدت بكل فخر وكبرياء لهلتر ووفرت مأوى لعشرات الآلاف من الناجين واللاجئين، بما في ذلك نحو 10 آلاف طفل".
وبالطبع، فإن أوروبا عام 2016 ليست هي أوروبا عام 1939. ويحظى الأطفال المشردون بفرنسا بخيار التقدم للحصول على اللجوء. ولن يتم اعتقالهم أو قتلهم إذا ما رفضت الحكومة البريطانية قبولهم، وهو ما كان عليه الحال مع الأطفال اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، يمكن أن يكون الماضي مصدر إلهام للحاضر بالطبع، حتى إذا كانت الاختلافات كثيرة.
وقال دابز متحدثاً عن تاريخ المحرقة التي أدت إلى عمليات نقل الأطفال: "نرى جميعاً أن ذلك لا ينبغي أن يحدث ثانية. ولابد من عدم تكرار ذلك".
ورغم الفخر بأحداث الماضي في بريطانيا خلال الحرب، إلا أن قادة البلاد الحاليين لا يبدون متحمسين لتطبيق أفعال الماضي على الحاضر. ورغم أن كاميرون قد وعد بقبول 20 ألف لاجئ بحلول عام 2020 – ورغم أن حملة قبول 3000 طفل قد حظيت بدعم هائل – إلا أن رئيس الوزراء سخر من كوربن خلال يناير/تشرين الثاني لتقديم وعود لمن سمّاهم "مجموعة من المهاجرين في كاليه".
ويرى ساكس أن إنقاذ بريطانيا للأطفال اليهود خلال الحرب يعد بمثابة إطار عمل في وسط "الموقف غير القابل للحل في سوريا، حيث يتم الدفع بشعب كامل إلى حافة اليأس والتضور جوعاً والنفي".
وقال ساكس: "يعد نقل الأطفال خلال الحرب ذا أهمية خاصة. ولا يمكن حل كل مشكلات العالم سياسياً، بل يمكن حلها على مستوى الأفراد والعائلات".
وتلك أيضاً هي رسالة التمثال البرونزي الذي يحيي ذكرى برنامج النقل الجماعي للأطفال أثناء الحرب بمحطة قطار ليفربول. ويصف البرنامج، الذي صممه المعماري الإسرائيلي فرانك مايسلر، مجموعة من الأطفال يجلسون على حقائبهم
ويحملون الدباديب ويحملقون في دهشة في أنحاء المدينة من حولهم".
ويحمل التمثال نقشاً من التلمود نصه "من ينقذ روحاً تتم مجازاته كما لو كان قد أنقذ البشرية جمعاء".
- هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة Washinghtonpost الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.
لا يستطيع أحد أن يؤكد عدد هؤلاء الأطفال. وحتى الآن لا توجد محاولة لإحصاء أعدادهم. ففي مخيم "الغابة" بمدينة كاليه وجدت إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية أن عدد الأطفال القُصّر غير المصحوبين بآبائهم بلغ 305 أطفال خلال الشهر الماضي، وسجلت وكالات حماية الطفل الفرنسية نحو 1600 حالة بالبلاد خلال عام 2015.
ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك؛ نظراً لعدم تسجيل كل الحالات، حسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الأحد 27 مارس/آذار 2016.
وخلال الأسابيع الماضية، أثارت فكرة الأطفال البائسين المقيمين على مسافة 20 ميلاً من دوفر استياءً في بريطانيا. وكان زعيم المعارضة جيريمي كوربن والممثل جودي لو من بين هؤلاء الذين أعربوا عن قلقهم الشديد.
ومع ذلك، كانت للتقارير والصور التي جاءت من فرنسا أهمية خاصة لدى الناجين من الحرب العالمية الثانية، حيث تم نقل نحو 10 آلاف طفل يهودي من أوروبا الخاضعة للاحتلال النازي إلى بريطانيا بين عامي 1939-1940.
واقترح ألف دابز، أحد الناجين عضو حزب العمل بمجلس اللوردات، إدخال تعديل على مشروع قانون الهجرة لاستقبال 3000 طفل لاجئ من أنحاء أوروبا.
وتم إقرار مشروع القانون يوم الاثنين بمجلس اللوردات بأغلبية 306 أصوات مقابل 204. وجاء ذلك في أعقاب خطاب خلال سبتمبر/أيلول الماضي قام بتوقيعه أكثر من 100 حاخام بريطاني وتوجيهه إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لحثه على استقبال 10 آلاف طفل على الأقل على مدار 6 شهور.
وكتب الحاخامات ضمن الرسالة قائلين: "فليكن نقل الأطفال اليهود خلال الحرب العالمية الثانية مصدر إلهامنا".
وخلال أحد الحوارات ذكر دابز البالغ من العمر 83 عاماً تجربته الخاصة – فقد كان واحداً بين 669 طفلاً من تشيكوسلوفاكيا تم إنقاذهم على يد سمسار البورصة نيكولاس وينتون – باعتبارها أحد الدوافع وراء مشروع القانون.
وُلد دابر في براغ عام 1932 لأب يهودي وأم غير يهودية، وبالتالي تم اعتباره يهودياً وفقاً للقوانين العنصرية للنازية. ووصل إلى محطة قطار شارع ليفربول بلندن في سن السادسة وعاش في بريطانيا منذ ذلك الحين.
وقال دابر: "أنا مدين لبريطانيا – وللأطفال – بأن أبذل قصارى جهدي لإقرار هذا الحكم ضمن القانون. الأطفال هم الأكثر عرضة للمخاطر ولتجارة البشر".
وتعد فيرا شوفيلد، البالغة من العمر 86 عاماً، واحدة من الناجين من الاجتياح النازي أيضاً. وتتذكر فيرا وداعَ والديها بمحطة القطار في براغ قائلة: "لم يدرك أحدنا أننا لن نرى أحداً من عائلاتنا ثانية"، مشيرة إلى مخاوفها حينذاك خشية ألا يستقبلها أحد في لندن.
وقد وجدت شوفيلد إحدى العائلات من بيري سانت إدموند التي تقيم على مسافة 80 ميلاً من لندن في انتظارها وأصبحت ابنة لهم بالتبني. وأصبحت فيرا معلمة متخصصة في تعليم الطلاب الذين يتحدثون اللغة الإنكليزية كلغة ثانية.
وذكرت بشأن الأطفال في كاليه وأماكن أخرى من أوروبا قائلة: "أعتقد أن هناك أماكن في بريطانيا توجد فيها عائلات يمكنها استقبالهم. وسوف يحظى الأطفال بفرصة حياة كتلك التي عشتها".
وأصبح ونتون الذي توفي في يوليو/تموز عن عمر يناهز 106 عاماً بطلاً بريطانياً قومياً، وأصبح الجميع يتذكرون عملية نقل الأطفال كجزء مما أطلق عليه ونستون تشيرشل "أفضل أوقات" بريطانيا.
وقال جوناثان ساكس، كبير حاخامات بريطانيا سابقاً: "أرى أن ذلك بمثابة شعلة مضيئة وسط أحلك ليالي البشرية. فإن عملية إنقاذ 10 آلاف طفل تخلق 10 آلاف قصة أمل جديدة".
وبعد مضي 70 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، أصبحت تلك الرواية مصدر فخر وتباهي الحكومة البريطانية.
وفي العام الماضي على سبيل المثال، كشف كاميرون عن خطط لإنشاء أول متحف تذكاري في لندن مخصص لمحرقة اليهود. وينص تقرير بناء المتحف على ما يلي "في ذكرى المحرقة، تتذكر بريطانيا كيف تصدت بكل فخر وكبرياء لهلتر ووفرت مأوى لعشرات الآلاف من الناجين واللاجئين، بما في ذلك نحو 10 آلاف طفل".
وبالطبع، فإن أوروبا عام 2016 ليست هي أوروبا عام 1939. ويحظى الأطفال المشردون بفرنسا بخيار التقدم للحصول على اللجوء. ولن يتم اعتقالهم أو قتلهم إذا ما رفضت الحكومة البريطانية قبولهم، وهو ما كان عليه الحال مع الأطفال اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، يمكن أن يكون الماضي مصدر إلهام للحاضر بالطبع، حتى إذا كانت الاختلافات كثيرة.
وقال دابز متحدثاً عن تاريخ المحرقة التي أدت إلى عمليات نقل الأطفال: "نرى جميعاً أن ذلك لا ينبغي أن يحدث ثانية. ولابد من عدم تكرار ذلك".
ورغم الفخر بأحداث الماضي في بريطانيا خلال الحرب، إلا أن قادة البلاد الحاليين لا يبدون متحمسين لتطبيق أفعال الماضي على الحاضر. ورغم أن كاميرون قد وعد بقبول 20 ألف لاجئ بحلول عام 2020 – ورغم أن حملة قبول 3000 طفل قد حظيت بدعم هائل – إلا أن رئيس الوزراء سخر من كوربن خلال يناير/تشرين الثاني لتقديم وعود لمن سمّاهم "مجموعة من المهاجرين في كاليه".
ويرى ساكس أن إنقاذ بريطانيا للأطفال اليهود خلال الحرب يعد بمثابة إطار عمل في وسط "الموقف غير القابل للحل في سوريا، حيث يتم الدفع بشعب كامل إلى حافة اليأس والتضور جوعاً والنفي".
وقال ساكس: "يعد نقل الأطفال خلال الحرب ذا أهمية خاصة. ولا يمكن حل كل مشكلات العالم سياسياً، بل يمكن حلها على مستوى الأفراد والعائلات".
وتلك أيضاً هي رسالة التمثال البرونزي الذي يحيي ذكرى برنامج النقل الجماعي للأطفال أثناء الحرب بمحطة قطار ليفربول. ويصف البرنامج، الذي صممه المعماري الإسرائيلي فرانك مايسلر، مجموعة من الأطفال يجلسون على حقائبهم
ويحملون الدباديب ويحملقون في دهشة في أنحاء المدينة من حولهم".
ويحمل التمثال نقشاً من التلمود نصه "من ينقذ روحاً تتم مجازاته كما لو كان قد أنقذ البشرية جمعاء".
- هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة Washinghtonpost الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.