يعمد قطاع واسع من جمهور المصريين المتابعين للشأن العام والمعارضين لنظام عبد الفتاح السيسي إلى تفسير كل خطوة قمعية كبيرة من طرفه على أنها دلالة على غبائه وكونه يحفر قبره بيديه، الحقيقة أن الأحداث في مصر منذ ما يقرب من الثلاثة أعوام تدل على تهافت هذا الطرح، فقد أقيمت المذابح في الميادين، وعاد القضاء ينتظر مكالمة جهاز الأمن الوطني؛ ليعرف الحكم في القضايا المتعلقة بالسياسة، وأقيمت انتخابات برلمانية هزلية فاز فيها باكتساح المؤيدون لشخص عبد الفتاح السيسي، وتكررت حوادث قتل أفراد الشرطة للمواطنين دون وجه حق، ثم بيعت قطعة من الأرض المصرية للسعودية من قريب، وقمعت الشرطة المعترضين على ذلك، كل ذلك حدث دون أن يبدو على النظام أي بادرة اهتزاز. فما الذي يجعل ما حدث في الأول من مايو/أيار على فجاجته القشة التي ستقصم ظهر النظام؟!
اقتحمت قوات الأمن المصرية في يوم الأحد الأول من مايو مقر نقابة الصحفيين المصرية في وسط القاهرة واعتقلت صحفيين في سابقة هي الأولى منذ إنشاء المقر. مثل ذلك صدمة للعديد من النشطاء السياسيين والصحفيين وكل من كان يقيس أداء النظام بمنطق السياسة، وانتشرت على وسائط التواصل الاجتماعي تعليقات من قبيل النظام الغبي الذي يبحث عن المشاكل ويريد إسقاط نفسه، كما قال من قبل الناشط وائل غنيم، وأن هذه هي الطامة الكبرى والخطأ القاتل الذي ارتكبه النظام. كل هذه التفسيرات والتعليقات من باب الأمنيات التي لا ترتبط بالواقع. فما يجري على الأرض منذ وقوع الانقلاب إلى الآن يشير بدقة إلى الحقيقة التي ترسم استراتيجية النظام الحالي للوصول إلى مهمته التي ما يفتأ رئيسه يكررها وهي استعادة الدولة أركانها وهيبتها.
النظام يهدف من تصعيد قمعه بهذه الطريقة إلى أن يصل إلى الجميع رسالة مفادها أن الخطوط الحمراء القليلة قد تم محوها، وأن أي فئة ستمثل بؤرة لمعارضة النظام سيتم استهدافها مهما كانت حيثياتها ومكانتها، وأن الكل فعلياً داخل دائرة القمع إذا فكر في قول لا.. إذا فكر فقط. وهذه الاستراتيجية مبنية على عقيدة لدى عبد الفتاح السيسي - فيما يبدو- تتلخص في أن ما أدى إلى إسقاط مبارك هو التزامه ببعض الخطوط الحمراء وتركه بعض الهوامش خارج سيطرة الدولة، هذه الهوامش اتسعت وتضافرت حتى أسقطت الدولة في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها. فالوقفات أمام نقابة الصحفيين ونقابة المحامين وأنشطة منظمات حقوق الإنسان والأنشطة الطلابية كلها كانت روافد تغذي الثورة في السنوات الأخيرة من عمر مبارك؛ لذا سيغلق النظام باب مشاركة نقابة الصحفيين في حماية المعارضين من هذه الفئة وسيقمع المشاركة الطلابية في الشأن العام حتى لا تتكرر أخطاء الماضي، فمهمة استعادة الدولة لا تتحقق إلا بإقامتها كياناً محيطاً صلباً مغلقاً لا يسمح لأي معارضة بالتنفس، أمر آخر يهدف إليه النظام من هذه الإجراءات هو تعميق الخوف في المجتمع المصري، وهو خط استراتيجي واضح في مسار أداء النظام منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، فحين تقتحم نقابة الصحفيين ويعتقل أصحاب مهنة الصحافة التي يسمونها السلطة الرابعة وتعتبر حرية حركة أفراد هذه السلطة أمراً متعارفاً عليه فهذا يعني أن هذا النظام لا يعرف حدوداً، وأن الكل معرض للاعتقال وهو ما يجب أن يخشاه الجميع... ويصمت.
من المؤسف أن نقول إن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها وهو ما كان ظاهراً في ضعف المشاركة الشعبية في الاحتجاج على بيع جزيرتي تيران وصنافير، رغم الغضب الشعبي الصامت والملحوظ، وهذا يشجع النظام على استمرار تبني الاستراتيجية وتطويرها، كما حدث باقتحام مقر نقابة الصحفيين. فماذا يفعل الثوار في مواجهة هذه الاستراتيجية؟ أولاً يجب أن يتوقف الثوار والناشطون عن إظهار الهلع والصدمة عند كل خطوة تصعيدية من النظام؛ لأن هذا يعطيه ثقة زائدة في قدرته على التأثير ومفاجأة المجتمع المصري، وأن جعبته دائماً لا تنضب. فالواجب أن يظهر الثوار أن وجود النظام نفسه هو أعلى درجات كسر قواعد الحياة السياسية في مصر، وأن كل ما يفعله هو مجرد تحصيل حاصل. إعادة الصراع إلى أصله بهذه الطريقة تربك النظام فعلاً؛ لأنه لن يجد أي حريات أو إجراءات يساوم عليها بعد أن أعلن الثوار أن وجوده هو هدفهم. كما أن الثوار عليهم مجابهة كل تصعيد بتصعيد على الأرض للحفاظ على الهوامش القليلة المتبقية للمناورة وحتى يدفعوا النظام إلى إعادة التفكير في هذه الإجراءات التي يقوم باتخاذها. وهذا التصعيد بالطبع لن يكون في صورة المظاهرات الاحتجاجية التي ألف النظام التعامل معها فهذا لا يسمى تصعيداً، وإنما الواجب الاتجاه إلى استراتيجيات التعطيل التي تهدف إلى الضغط على البنية التحتية للنظام وأجهزته. إن مواجهة نظام لا يعتد بأي حدود هي بالتأكيد أمر شديد الصعوبة، ولكن علينا أن نتذكر جيداً ثمن الانتصار في هذه المواجهة.. إنه حرية المصريين.
اقتحمت قوات الأمن المصرية في يوم الأحد الأول من مايو مقر نقابة الصحفيين المصرية في وسط القاهرة واعتقلت صحفيين في سابقة هي الأولى منذ إنشاء المقر. مثل ذلك صدمة للعديد من النشطاء السياسيين والصحفيين وكل من كان يقيس أداء النظام بمنطق السياسة، وانتشرت على وسائط التواصل الاجتماعي تعليقات من قبيل النظام الغبي الذي يبحث عن المشاكل ويريد إسقاط نفسه، كما قال من قبل الناشط وائل غنيم، وأن هذه هي الطامة الكبرى والخطأ القاتل الذي ارتكبه النظام. كل هذه التفسيرات والتعليقات من باب الأمنيات التي لا ترتبط بالواقع. فما يجري على الأرض منذ وقوع الانقلاب إلى الآن يشير بدقة إلى الحقيقة التي ترسم استراتيجية النظام الحالي للوصول إلى مهمته التي ما يفتأ رئيسه يكررها وهي استعادة الدولة أركانها وهيبتها.
النظام يهدف من تصعيد قمعه بهذه الطريقة إلى أن يصل إلى الجميع رسالة مفادها أن الخطوط الحمراء القليلة قد تم محوها، وأن أي فئة ستمثل بؤرة لمعارضة النظام سيتم استهدافها مهما كانت حيثياتها ومكانتها، وأن الكل فعلياً داخل دائرة القمع إذا فكر في قول لا.. إذا فكر فقط. وهذه الاستراتيجية مبنية على عقيدة لدى عبد الفتاح السيسي - فيما يبدو- تتلخص في أن ما أدى إلى إسقاط مبارك هو التزامه ببعض الخطوط الحمراء وتركه بعض الهوامش خارج سيطرة الدولة، هذه الهوامش اتسعت وتضافرت حتى أسقطت الدولة في الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها. فالوقفات أمام نقابة الصحفيين ونقابة المحامين وأنشطة منظمات حقوق الإنسان والأنشطة الطلابية كلها كانت روافد تغذي الثورة في السنوات الأخيرة من عمر مبارك؛ لذا سيغلق النظام باب مشاركة نقابة الصحفيين في حماية المعارضين من هذه الفئة وسيقمع المشاركة الطلابية في الشأن العام حتى لا تتكرر أخطاء الماضي، فمهمة استعادة الدولة لا تتحقق إلا بإقامتها كياناً محيطاً صلباً مغلقاً لا يسمح لأي معارضة بالتنفس، أمر آخر يهدف إليه النظام من هذه الإجراءات هو تعميق الخوف في المجتمع المصري، وهو خط استراتيجي واضح في مسار أداء النظام منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، فحين تقتحم نقابة الصحفيين ويعتقل أصحاب مهنة الصحافة التي يسمونها السلطة الرابعة وتعتبر حرية حركة أفراد هذه السلطة أمراً متعارفاً عليه فهذا يعني أن هذا النظام لا يعرف حدوداً، وأن الكل معرض للاعتقال وهو ما يجب أن يخشاه الجميع... ويصمت.
من المؤسف أن نقول إن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها وهو ما كان ظاهراً في ضعف المشاركة الشعبية في الاحتجاج على بيع جزيرتي تيران وصنافير، رغم الغضب الشعبي الصامت والملحوظ، وهذا يشجع النظام على استمرار تبني الاستراتيجية وتطويرها، كما حدث باقتحام مقر نقابة الصحفيين. فماذا يفعل الثوار في مواجهة هذه الاستراتيجية؟ أولاً يجب أن يتوقف الثوار والناشطون عن إظهار الهلع والصدمة عند كل خطوة تصعيدية من النظام؛ لأن هذا يعطيه ثقة زائدة في قدرته على التأثير ومفاجأة المجتمع المصري، وأن جعبته دائماً لا تنضب. فالواجب أن يظهر الثوار أن وجود النظام نفسه هو أعلى درجات كسر قواعد الحياة السياسية في مصر، وأن كل ما يفعله هو مجرد تحصيل حاصل. إعادة الصراع إلى أصله بهذه الطريقة تربك النظام فعلاً؛ لأنه لن يجد أي حريات أو إجراءات يساوم عليها بعد أن أعلن الثوار أن وجوده هو هدفهم. كما أن الثوار عليهم مجابهة كل تصعيد بتصعيد على الأرض للحفاظ على الهوامش القليلة المتبقية للمناورة وحتى يدفعوا النظام إلى إعادة التفكير في هذه الإجراءات التي يقوم باتخاذها. وهذا التصعيد بالطبع لن يكون في صورة المظاهرات الاحتجاجية التي ألف النظام التعامل معها فهذا لا يسمى تصعيداً، وإنما الواجب الاتجاه إلى استراتيجيات التعطيل التي تهدف إلى الضغط على البنية التحتية للنظام وأجهزته. إن مواجهة نظام لا يعتد بأي حدود هي بالتأكيد أمر شديد الصعوبة، ولكن علينا أن نتذكر جيداً ثمن الانتصار في هذه المواجهة.. إنه حرية المصريين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.