لأيام والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر ليس لها حديث إلا عن الطائرة المصرية المنكوبة التي سقطت في البحر الأبيض المتوسط أثناء عودتها من فرنسا، ناشرين أسماء الركاب وطاقم الطائرة، محللين لظروف وأسباب سفر كل راكب منهم، عارضين لصورهم، وصور أسرهم.
ولأننا شعب عاطفي، أصبح الحديث عن شعور ركاب الطائرة في لحظاتهم الأخيرة، وحالهم حين الانفجار أو الارتطام بالبحر وإحساسهم بالرعب والخوف والموت!
كل ما كتب يعتصر القلب ألماً ووجعاً، كل ما نشر مجرد تصور عن إحساس الركاب، مما استدعى لدي موقفاً تعرضت له أنا وأولادي عند عودتنا من شرم الشيخ منذ عامين.
يقدر زمن الرحلة من مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء إلى مطار القاهرة الدولي بساعة إلا الربع تحديداً، ولأننا اعتدناها وجدنا أنفسنا نتعجب من الطيار حين أعلن في ميكروفون الطائرة أننا على وشك الهبوط في مطار القاهرة الدولي بعد دقائق, ولكنه لم يهبط؛ بل جنح بالطائرة إلى النيل، وأخذت الطائرة في الصعود والهبوط بشكل مفزع، والانعطاف جهة اليمين تارة وجهة اليسار تارة أخرى.
ابنتي بجانبي تكاد تنهار، وهي تقرأ آيات قرآنية في محاولة منها لتهدئة نفسها كما نصحتها، لكني كنت أحاول إضحاكها وتغيير موضوع انعطافات الطائرة المفاجئة أو هبوطها المفزع بأننا نتعرض لمطبات هوائية, وتتساءل ابنتي ذات العشرين عاماً: مطبات هوائية في أغسطس!
كان ابني البكري يجلس خلفنا مبتسما ابتسامته المعهودة التي تبعث على الاطمئنان واحتواء الخوف بداخلنا.. متمتماً بآيات قرآنية.
ابني الصغير "كان في أولى ثانوي" كان قلقاً لكنه كان هادئاً وسألني مرة واحدة فقط: هو في إيه! هي الطيارة هتقع فعلاً!
قلت له: حافظ قرآن! اقرأ وفقط.
كانت معنا في رحلتنا صديقة ابنتي وكانت تقرأ في كتاب" كعادتها"، ولاحظت الهبوط والصعود، والانعطاف الشديد والمتتالي للطائرة، فسألتني: طنط هي الطيارة بتقع! ممكن أكلم بابا!
قلت لها: اللي محتاجين نكلمه دلوقتي " ربنا " اقرئي قرآن.
سألتني ابنتي عن سر هدوئي وابتسامتي!
قلت لها: أمي -رحمة الله عليها- عودتني على ترديد مقولة بها السكينة تتملكني: " لا خوف ولا فزع من لُقى الله".
كُتب في اليوم التالي في الصحف والمواقع الإلكترونية أن طائرتنا تعطل بها أجهزة أو ما شابه ذلك، وفضل الطيار إن يطير بها على ارتفاع منخفض من سطح النيل بدلاً من شدة الارتطام بالأرض!
مع حرص كابتن الطائرة الشديد على التواصل معنا، وإعلامنا أننا على وشك الهبوط بسلام في مطار القاهرة دون إفزاعنا.
هي لحظات تمر ثقيلة، مفزعة لا ننكر، لكن استشعار رحمة الله واللجوء له يبعث سكينة في النفس لا يعيها إلا من اقترب من الموت.
هي محاولات بأغراض وأهداف مختلفة النيات الخبيثة منها والبريئة من البعض لشحذ نفوس الرأي العام تعاطفاً مع ركاب الطائرة لتوليد غضب اتجاه جهات محددة، أو دول بعينها، مشيرين لتلوث أيدي حكومات معينة بدم أبرياء ضحايا الطائرة المنكوبة، يثير استياء العامة من الناس بتدخل البعض في شؤون خاصة للركاب ولحظاتهم الأخيرة في الحياة، متناسين بلا رحمة مشاعر ذوي ضحايا الطائرة وأسرهم.
هي لحظات قاسية يحولها الإعلام الموجه وشبكات التواصل لسلاح هجوم عنيف ضد المسؤولين كنوع من تصيد الأخطاء، وإن كانت الحادثة متكررة في جميع دول العالم، وسقوط الطائرات متكرر لأسباب كثيرة، إلا أن الحكومات التي تتحمل مسؤولية ما يحدث من كوارث قليلة، فكل دولة أو جهة معنية بالحادث دائماً تصب المسؤولية في مرمى القضاء والقدر" ونحن لا نختلف معهم في حتمية قضاء الله"، لكنهم يتنصلون من تحمل المسؤولية في تأمين الطائرات، من الإرهاب وزرع القنابل والمتفجرات، وصيانة دورية للطائرات، حفاظاً من الدول على سلامة وأمن وأرواح الركاب الذين يضعون حياتهم بين يدي الله أولاً وتحت مسؤولية الدولة وشركات طيرانها ثانياً، وأيضاً هروباً من تلك الشركات والهيئات والحكومات لتعويض أهالي ضحايا الطائرة مادياً، وتجنباً لتحمل المسؤولية التي قد تسيء لشركات صناعة الطائرات العالمية، أو وصم بلاد بالإرهاب الذي من شأنه أن يضرب فيها السياحة، أو الإساءة لحكومات بتصويرها غير جديرة بالثقة في مراقبة مطاراتها وحماية الأبرياء.
لندعُ لركاب الطائرة بالرحمة، ولا نتدخل بين لحظاتهم الأخيرة التي تخصهم مع الله عز وجل؛ لأنها لحظات فارقة، تتشابه مع كل من تأتي ساعة منيته، وتختلف في تعامله مع تلك اللحظة قوة إيمانه وتقبله لقضاء الله.
ولأننا شعب عاطفي، أصبح الحديث عن شعور ركاب الطائرة في لحظاتهم الأخيرة، وحالهم حين الانفجار أو الارتطام بالبحر وإحساسهم بالرعب والخوف والموت!
كل ما كتب يعتصر القلب ألماً ووجعاً، كل ما نشر مجرد تصور عن إحساس الركاب، مما استدعى لدي موقفاً تعرضت له أنا وأولادي عند عودتنا من شرم الشيخ منذ عامين.
يقدر زمن الرحلة من مدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء إلى مطار القاهرة الدولي بساعة إلا الربع تحديداً، ولأننا اعتدناها وجدنا أنفسنا نتعجب من الطيار حين أعلن في ميكروفون الطائرة أننا على وشك الهبوط في مطار القاهرة الدولي بعد دقائق, ولكنه لم يهبط؛ بل جنح بالطائرة إلى النيل، وأخذت الطائرة في الصعود والهبوط بشكل مفزع، والانعطاف جهة اليمين تارة وجهة اليسار تارة أخرى.
ابنتي بجانبي تكاد تنهار، وهي تقرأ آيات قرآنية في محاولة منها لتهدئة نفسها كما نصحتها، لكني كنت أحاول إضحاكها وتغيير موضوع انعطافات الطائرة المفاجئة أو هبوطها المفزع بأننا نتعرض لمطبات هوائية, وتتساءل ابنتي ذات العشرين عاماً: مطبات هوائية في أغسطس!
كان ابني البكري يجلس خلفنا مبتسما ابتسامته المعهودة التي تبعث على الاطمئنان واحتواء الخوف بداخلنا.. متمتماً بآيات قرآنية.
ابني الصغير "كان في أولى ثانوي" كان قلقاً لكنه كان هادئاً وسألني مرة واحدة فقط: هو في إيه! هي الطيارة هتقع فعلاً!
قلت له: حافظ قرآن! اقرأ وفقط.
كانت معنا في رحلتنا صديقة ابنتي وكانت تقرأ في كتاب" كعادتها"، ولاحظت الهبوط والصعود، والانعطاف الشديد والمتتالي للطائرة، فسألتني: طنط هي الطيارة بتقع! ممكن أكلم بابا!
قلت لها: اللي محتاجين نكلمه دلوقتي " ربنا " اقرئي قرآن.
سألتني ابنتي عن سر هدوئي وابتسامتي!
قلت لها: أمي -رحمة الله عليها- عودتني على ترديد مقولة بها السكينة تتملكني: " لا خوف ولا فزع من لُقى الله".
كُتب في اليوم التالي في الصحف والمواقع الإلكترونية أن طائرتنا تعطل بها أجهزة أو ما شابه ذلك، وفضل الطيار إن يطير بها على ارتفاع منخفض من سطح النيل بدلاً من شدة الارتطام بالأرض!
مع حرص كابتن الطائرة الشديد على التواصل معنا، وإعلامنا أننا على وشك الهبوط بسلام في مطار القاهرة دون إفزاعنا.
هي لحظات تمر ثقيلة، مفزعة لا ننكر، لكن استشعار رحمة الله واللجوء له يبعث سكينة في النفس لا يعيها إلا من اقترب من الموت.
هي محاولات بأغراض وأهداف مختلفة النيات الخبيثة منها والبريئة من البعض لشحذ نفوس الرأي العام تعاطفاً مع ركاب الطائرة لتوليد غضب اتجاه جهات محددة، أو دول بعينها، مشيرين لتلوث أيدي حكومات معينة بدم أبرياء ضحايا الطائرة المنكوبة، يثير استياء العامة من الناس بتدخل البعض في شؤون خاصة للركاب ولحظاتهم الأخيرة في الحياة، متناسين بلا رحمة مشاعر ذوي ضحايا الطائرة وأسرهم.
هي لحظات قاسية يحولها الإعلام الموجه وشبكات التواصل لسلاح هجوم عنيف ضد المسؤولين كنوع من تصيد الأخطاء، وإن كانت الحادثة متكررة في جميع دول العالم، وسقوط الطائرات متكرر لأسباب كثيرة، إلا أن الحكومات التي تتحمل مسؤولية ما يحدث من كوارث قليلة، فكل دولة أو جهة معنية بالحادث دائماً تصب المسؤولية في مرمى القضاء والقدر" ونحن لا نختلف معهم في حتمية قضاء الله"، لكنهم يتنصلون من تحمل المسؤولية في تأمين الطائرات، من الإرهاب وزرع القنابل والمتفجرات، وصيانة دورية للطائرات، حفاظاً من الدول على سلامة وأمن وأرواح الركاب الذين يضعون حياتهم بين يدي الله أولاً وتحت مسؤولية الدولة وشركات طيرانها ثانياً، وأيضاً هروباً من تلك الشركات والهيئات والحكومات لتعويض أهالي ضحايا الطائرة مادياً، وتجنباً لتحمل المسؤولية التي قد تسيء لشركات صناعة الطائرات العالمية، أو وصم بلاد بالإرهاب الذي من شأنه أن يضرب فيها السياحة، أو الإساءة لحكومات بتصويرها غير جديرة بالثقة في مراقبة مطاراتها وحماية الأبرياء.
لندعُ لركاب الطائرة بالرحمة، ولا نتدخل بين لحظاتهم الأخيرة التي تخصهم مع الله عز وجل؛ لأنها لحظات فارقة، تتشابه مع كل من تأتي ساعة منيته، وتختلف في تعامله مع تلك اللحظة قوة إيمانه وتقبله لقضاء الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.