شكل فوز رواية "الطّلياني" للكاتب التونسي شكري مبخوت بجائزة "البُوكر العربية" لسنة 2015 فوزاً لسجال قديم حول علاقة المثقف بالسلطة.
عن الانكسارات والخيانات والأحلام المُجهضة أيضاً، وعن هذا العمل الرّوائيّ ورؤيته لتُونس المستقبل، كان لـ “هافينغتون بوست عربي” هذا الحوار مع الكاتب شكري مبخوت:
من هو أوّل شخص خطر ببالك حين أُعلن عن فوز روايتك "الطّلياني" بجائزة "البُوكر العربيّة”؟
لم يكن شخصًا بعينه، وإنّما هو شعبٌ كامل يحتاج إلى بعض الفرح.
هل يمكن تفسير الشعبية الكبيرة التي حظيت بها "الطّلياني"، بخيبات شخصيّاتها في الحبّ والحياة؟
هو تأويلٌ ممكن، لكنّني لا أعتقد أنّ الرّواية عالم من الخيبات فحسب، بل فيهَا كثير من المشاعر والأحاسِيس والمباهج والمُتع، ولا أعتقد أنّ جانباً واحداً يمكن أن يشدّ القرّاء بل العكس؛ تعقّد المُعطيات وتداخلها في الرّواية هو الّذي يمنحها في ظنّي طاقة، تجعلها شبيهةً بالحياة.
في “الطّلياني" من التفّ حول الآخر، الأدبُ أم السّياسة؟
لا فصل عندي بينهما؛ فالرّواية ابنة المدينة والمدينة تدبيرٌ وسياسة، حتّى وإن تعلّق الأمر بالعلاقاتِ بين الرّجال والنّساء، فالسّياسة تحدّد أيضًا تمثّلات البشر لأنفسهم وللآخرين وللمُجتمع.
لماذا اخترت اسم عبد النّاصر (بطل الرّواية)، بالذّات؟
لا يوجد سبب محدّد. اسم "عبد النّاصر" كان من الأسماء المنتشرة سنة ولادته.
ألا يمكن أن نقول أنّ لاختيارك هذا خلفيّات سياسيّة؟
إذا قصدتِ دلالات ترتبط باسم "عبد النّاصر" القائد السّياسيّ، فهذا تأويلٌ لا أثبتُه ولا أنفِيه.
قدّمت بطل الرواية كنموذج لطالب يساريّ، يصبح فيما بعد صحافيّا لامعا يكتب تحت الطلب مقالات تبارك انقلاب ابن علي، وهذا يحيلنا إلى علاقة المثقّف بالسّلطة في العالم العربيّ. كيف يجب أن تكون هذه العلاقة في نظرك؟
علاقة المثقّف بالسّلطة دائماً ملتبسة، تتراوح بين الخضوع والتّمتّع والرّفض وتقديم الخدمات، لكنّ ما يهمّني باعتباري روائيّاً هو التّردّدات بين الظاهر والباطن والمثل الأعلى وضغطِ الواقع، وهي في عُمقها تردّدات إنسانيّة تعبّر عنّا بعيداً عن النّظرة الطّهرانيّة المثاليّة. ما يهمّني هُو هذا الالتِباس تحديدًا.
لنعد إلى الوراء قليلاً ونتحدّث عمّا كان يدفعكَ في وقت من الأوقات، إلى نشر كتاباتك بأسماء مُستعارة؟
بِبساطة، لأنّني لم أكن أثق فيما أكتب. هو نوعٌ من الحياء الأدبيّ، النّابع من سؤالي عن قيمة هذه الخربشات مقارنةً بالكتابات العظِيمة التّي كنت أقرأها.
هل تم حظر رواية "الطّلياني" في الإمارات، ثم رفعه فور الإعلان عن نيلها الجائزة؟
لا يوجد على حدّ علمي قرار بمنع "الطّلياني" في أيّ بلد عربيّ بما في ذلك الإمارات، وقد بيعت منها مئات النّسخ في معرض أبو ظبي؛ حيث كنتُ حاضراً. صحيح أنّ الخبر انتشر بعد ساعات قليلة من إعلان فوز "الطّلياني" في صحيفة “غارديان” البريطانيّة، لكنّ الرّواية كانت موجودة في السّوق، كما أنّني دُعيت بعد الجائزة إلى الإمارات.
سبق وقلت إنّك حين شرعت في كتابة "الطّلياني" نهاية العام 2012، أردت أن تتطهّر من مخاوفك من التّحولات الّتي شهدتها تونس في تلك الفترة الانتقاليّة. إلى أيّ حدّ تحقّقت لديكَ هذه الرغبة؟
للكتابة وظيفة تطهيريّة، كما أنّ لها وظيفة تأمّليّة ونقديّة. وأعتقد أنّ هذا تحقّق بعدما فرغت من الرّواية؛ لأنّها أحدثت جدلاً حول تلك المخاوف. وما الأدب إن لم يكن تفاعلًا مع الأسئلة التّي يطرحها، جماليّا ومضمونيّا؟
ما هي الصّورة الّتي تتشكّل اليوم في ذِهن شكري المبخوت، عن تُونس المستقبل؟
المؤشّرات الواقعيّة فيها كثير من الالتباسات، بحكم الوضع الإقليميّ غير المستقرّ وبحكم الصّعوبات الاقتصاديّة أساساً داخل البلاد. ولكنّ ليس لي إلاّ أن أتفاءل من باب التّشبثّ بالحياة أوّلاً، ومن باب الإيمان بأنّ الإرث المدنيّ في تونس الّذي يعود إلى أواسط القرن الـ 19 قبل دخول الاستعمار الفرنسيّ، هو إرثٌ متجذّر يستلهمه التّونسيّون عن وعي تاريخيّ أو عن غير وعي. ليس لنَا خيار، ينبغي أن ننجح ونُصرّ على النّجاح.
عاتبت في لقاءات صحفيّة سابقة المشهد العربي الأدبيّ. لماذا؟
بل أنا مُحتار؛ لأنّنا نستطيع أن نُقدّم الأفضلَ إلى ثقافتنا العربيّة.
ما هي في نظرك نقاط قوّة وضعف جائزة "البوكر العربيّة"؟
نقاط قُوّتها تأتي من إشارتها إلى الأعمال الجديرة بالقراءة، سواءً من خلال القائمة الطّويلة أو القائمة القصيرة، فتنقُلها من مَحلّيتها إلى عالم أرحب هو عالم اللّغة العربيّة حيثما وُجد. والأهمّ من ذَلك، أنّها تفتحُ الباب لوصول الأعمال المتوجّة إلى لغاتٍ وثقافات أخرى.
أمّا السّلبيّات؛ فتعود إلى أنّنا نحنُ العرب ننظُر إلى الجوائز من زاوية الغنِيمة الماليّة، و لا نُدرك عمومًا صِلتها بتطوير واقع النّشر، وعلاقَتها بالمُؤسّسة الأدبيّة الحدِيثة.
قمتَ مؤخّراً بزيارة مؤسّسة الكاتب المغربي الرّاحل محمّد شكري بطنجة. حدّثنا عن ذلك
هي زيارة لمؤسّسة تعمل على تكريم كاتب كانت له أيادٍ بيضاء على مدينة طنجة. فبقدر ما ارتبط اسم محمّد شكري بهذه المدينة، فإنّه يصعب الآن ذكر اسمها بلا إشارة إلى رمز من رموزها.
المدن الّتي لا تُخيّل سرديّا تظلّ مدنا ساذجة، ولكنّ في حالة طنجة يعود بعض الفضل في معرفة جانب من جغرافيّتها ونبض الحياة فيها إلى أعمال محمّد شكري، وإن تغيّرت ملامح هذه المدينة الآن.
ما هو أكثر شيء شدّك في كتابات الكاتب الرّاحل محمّد شكري؟
أسلوبه السّرديّ المتميّز أكثر من الجرأة في تناول العالم السّفليّ. فأسلوب محمّد شكري شاعريّ دون زخرفة. يبدو بسيطاً في المُتناول، ولكنّه قائم على التّكثيف والدّقّة والإيقاع المذهل.
ذكرت سابقاً أنّ لديك ديواناً شعريّاً جاهزاً، كما أنّك بصدد تنقيح مجموعة قصصيّة، هذا بالإضافة إلى رواية ثانية جاهزة تقريباً للنّشر. أيّ هذه العوالم وجدتها أرحَب؟
كلّ عالمٍ من هذا العوالم يُلّبي حاجة ثقافيّة وفنيّة عندي؛ فهيَ تنتمِي إلى عالم أرحَب هُو هواجسِي واهتمامَاتي.
بعض النّقاد رأوا أنّ خاتمة "الطّلياني" لم تكن بالقوّة الّتي توقّعوها، فهل فعلًا خانتك النّهاية؟
هو رأي أحترمه وإن كنت لَا أوافقه؛ فسرديّا خَاتمة الرّواية هي بِدايتها، ولم يكن في المعطيات السّرديّة ما يسمحُ بمزيد من التّوسع، وإلاّ أصبحت ثرثَرة.
بعد هذا النّجاح، هل يمكنُ أن نقرأ جزء ثانيّاً لـ "الطّلياني"؟
كلّ شيء بأوانِه، ولكنّ بنية الرّواية مفتُوحَة؛ لأنّ عبد النّاصر في "الطّلياني" كانَ في الثّلاثين، ويمكنُ أن يكونَ عُمره مديدًا.
عن الانكسارات والخيانات والأحلام المُجهضة أيضاً، وعن هذا العمل الرّوائيّ ورؤيته لتُونس المستقبل، كان لـ “هافينغتون بوست عربي” هذا الحوار مع الكاتب شكري مبخوت:
من هو أوّل شخص خطر ببالك حين أُعلن عن فوز روايتك "الطّلياني" بجائزة "البُوكر العربيّة”؟
لم يكن شخصًا بعينه، وإنّما هو شعبٌ كامل يحتاج إلى بعض الفرح.
هل يمكن تفسير الشعبية الكبيرة التي حظيت بها "الطّلياني"، بخيبات شخصيّاتها في الحبّ والحياة؟
هو تأويلٌ ممكن، لكنّني لا أعتقد أنّ الرّواية عالم من الخيبات فحسب، بل فيهَا كثير من المشاعر والأحاسِيس والمباهج والمُتع، ولا أعتقد أنّ جانباً واحداً يمكن أن يشدّ القرّاء بل العكس؛ تعقّد المُعطيات وتداخلها في الرّواية هو الّذي يمنحها في ظنّي طاقة، تجعلها شبيهةً بالحياة.
في “الطّلياني" من التفّ حول الآخر، الأدبُ أم السّياسة؟
لا فصل عندي بينهما؛ فالرّواية ابنة المدينة والمدينة تدبيرٌ وسياسة، حتّى وإن تعلّق الأمر بالعلاقاتِ بين الرّجال والنّساء، فالسّياسة تحدّد أيضًا تمثّلات البشر لأنفسهم وللآخرين وللمُجتمع.
لماذا اخترت اسم عبد النّاصر (بطل الرّواية)، بالذّات؟
لا يوجد سبب محدّد. اسم "عبد النّاصر" كان من الأسماء المنتشرة سنة ولادته.
ألا يمكن أن نقول أنّ لاختيارك هذا خلفيّات سياسيّة؟
إذا قصدتِ دلالات ترتبط باسم "عبد النّاصر" القائد السّياسيّ، فهذا تأويلٌ لا أثبتُه ولا أنفِيه.
قدّمت بطل الرواية كنموذج لطالب يساريّ، يصبح فيما بعد صحافيّا لامعا يكتب تحت الطلب مقالات تبارك انقلاب ابن علي، وهذا يحيلنا إلى علاقة المثقّف بالسّلطة في العالم العربيّ. كيف يجب أن تكون هذه العلاقة في نظرك؟
علاقة المثقّف بالسّلطة دائماً ملتبسة، تتراوح بين الخضوع والتّمتّع والرّفض وتقديم الخدمات، لكنّ ما يهمّني باعتباري روائيّاً هو التّردّدات بين الظاهر والباطن والمثل الأعلى وضغطِ الواقع، وهي في عُمقها تردّدات إنسانيّة تعبّر عنّا بعيداً عن النّظرة الطّهرانيّة المثاليّة. ما يهمّني هُو هذا الالتِباس تحديدًا.
لنعد إلى الوراء قليلاً ونتحدّث عمّا كان يدفعكَ في وقت من الأوقات، إلى نشر كتاباتك بأسماء مُستعارة؟
بِبساطة، لأنّني لم أكن أثق فيما أكتب. هو نوعٌ من الحياء الأدبيّ، النّابع من سؤالي عن قيمة هذه الخربشات مقارنةً بالكتابات العظِيمة التّي كنت أقرأها.
هل تم حظر رواية "الطّلياني" في الإمارات، ثم رفعه فور الإعلان عن نيلها الجائزة؟
لا يوجد على حدّ علمي قرار بمنع "الطّلياني" في أيّ بلد عربيّ بما في ذلك الإمارات، وقد بيعت منها مئات النّسخ في معرض أبو ظبي؛ حيث كنتُ حاضراً. صحيح أنّ الخبر انتشر بعد ساعات قليلة من إعلان فوز "الطّلياني" في صحيفة “غارديان” البريطانيّة، لكنّ الرّواية كانت موجودة في السّوق، كما أنّني دُعيت بعد الجائزة إلى الإمارات.
سبق وقلت إنّك حين شرعت في كتابة "الطّلياني" نهاية العام 2012، أردت أن تتطهّر من مخاوفك من التّحولات الّتي شهدتها تونس في تلك الفترة الانتقاليّة. إلى أيّ حدّ تحقّقت لديكَ هذه الرغبة؟
للكتابة وظيفة تطهيريّة، كما أنّ لها وظيفة تأمّليّة ونقديّة. وأعتقد أنّ هذا تحقّق بعدما فرغت من الرّواية؛ لأنّها أحدثت جدلاً حول تلك المخاوف. وما الأدب إن لم يكن تفاعلًا مع الأسئلة التّي يطرحها، جماليّا ومضمونيّا؟
ما هي الصّورة الّتي تتشكّل اليوم في ذِهن شكري المبخوت، عن تُونس المستقبل؟
المؤشّرات الواقعيّة فيها كثير من الالتباسات، بحكم الوضع الإقليميّ غير المستقرّ وبحكم الصّعوبات الاقتصاديّة أساساً داخل البلاد. ولكنّ ليس لي إلاّ أن أتفاءل من باب التّشبثّ بالحياة أوّلاً، ومن باب الإيمان بأنّ الإرث المدنيّ في تونس الّذي يعود إلى أواسط القرن الـ 19 قبل دخول الاستعمار الفرنسيّ، هو إرثٌ متجذّر يستلهمه التّونسيّون عن وعي تاريخيّ أو عن غير وعي. ليس لنَا خيار، ينبغي أن ننجح ونُصرّ على النّجاح.
عاتبت في لقاءات صحفيّة سابقة المشهد العربي الأدبيّ. لماذا؟
بل أنا مُحتار؛ لأنّنا نستطيع أن نُقدّم الأفضلَ إلى ثقافتنا العربيّة.
ما هي في نظرك نقاط قوّة وضعف جائزة "البوكر العربيّة"؟
نقاط قُوّتها تأتي من إشارتها إلى الأعمال الجديرة بالقراءة، سواءً من خلال القائمة الطّويلة أو القائمة القصيرة، فتنقُلها من مَحلّيتها إلى عالم أرحب هو عالم اللّغة العربيّة حيثما وُجد. والأهمّ من ذَلك، أنّها تفتحُ الباب لوصول الأعمال المتوجّة إلى لغاتٍ وثقافات أخرى.
أمّا السّلبيّات؛ فتعود إلى أنّنا نحنُ العرب ننظُر إلى الجوائز من زاوية الغنِيمة الماليّة، و لا نُدرك عمومًا صِلتها بتطوير واقع النّشر، وعلاقَتها بالمُؤسّسة الأدبيّة الحدِيثة.
قمتَ مؤخّراً بزيارة مؤسّسة الكاتب المغربي الرّاحل محمّد شكري بطنجة. حدّثنا عن ذلك
هي زيارة لمؤسّسة تعمل على تكريم كاتب كانت له أيادٍ بيضاء على مدينة طنجة. فبقدر ما ارتبط اسم محمّد شكري بهذه المدينة، فإنّه يصعب الآن ذكر اسمها بلا إشارة إلى رمز من رموزها.
المدن الّتي لا تُخيّل سرديّا تظلّ مدنا ساذجة، ولكنّ في حالة طنجة يعود بعض الفضل في معرفة جانب من جغرافيّتها ونبض الحياة فيها إلى أعمال محمّد شكري، وإن تغيّرت ملامح هذه المدينة الآن.
ما هو أكثر شيء شدّك في كتابات الكاتب الرّاحل محمّد شكري؟
أسلوبه السّرديّ المتميّز أكثر من الجرأة في تناول العالم السّفليّ. فأسلوب محمّد شكري شاعريّ دون زخرفة. يبدو بسيطاً في المُتناول، ولكنّه قائم على التّكثيف والدّقّة والإيقاع المذهل.
ذكرت سابقاً أنّ لديك ديواناً شعريّاً جاهزاً، كما أنّك بصدد تنقيح مجموعة قصصيّة، هذا بالإضافة إلى رواية ثانية جاهزة تقريباً للنّشر. أيّ هذه العوالم وجدتها أرحَب؟
كلّ عالمٍ من هذا العوالم يُلّبي حاجة ثقافيّة وفنيّة عندي؛ فهيَ تنتمِي إلى عالم أرحَب هُو هواجسِي واهتمامَاتي.
بعض النّقاد رأوا أنّ خاتمة "الطّلياني" لم تكن بالقوّة الّتي توقّعوها، فهل فعلًا خانتك النّهاية؟
هو رأي أحترمه وإن كنت لَا أوافقه؛ فسرديّا خَاتمة الرّواية هي بِدايتها، ولم يكن في المعطيات السّرديّة ما يسمحُ بمزيد من التّوسع، وإلاّ أصبحت ثرثَرة.
بعد هذا النّجاح، هل يمكنُ أن نقرأ جزء ثانيّاً لـ "الطّلياني"؟
كلّ شيء بأوانِه، ولكنّ بنية الرّواية مفتُوحَة؛ لأنّ عبد النّاصر في "الطّلياني" كانَ في الثّلاثين، ويمكنُ أن يكونَ عُمره مديدًا.